الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا، أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [إبراهيم: 3] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 3] الَّذِينَ يَخْتَارُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَمَتَاعَهَا، وَمَعَاصِي اللَّهِ فِيهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى رِضَاهُ، مِنَ الْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ فِي الْآخِرَةِ {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 47] يَقُولُ: وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف: 45] يَقُولُ: وَيَلْتَمِسُونَ سَبِيلَ اللَّهِ، وَهِيَ دِينُهُ الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ عِوَجًا: تَحْرِيفًا وَتَبْدِيلًا بِالْكَذِبِ وَالزُّورِ «وَالْعِوَجِ» بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ فِي الدِّينِ وَالْأَرْضِ وَكُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا، فَأَمَّا فِي كُلِّ مَا كَانَ قَائِمًا كَالْحَائِطِ وَالرُّمْحِ وَالسِّنِّ فَإِنَّهُ يُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ جَمِيعًا «عَوَجٌ» . يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: {أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [إبراهيم: 3] يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، يَقُولُ: هُمْ فِي ذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ بَعِيدٍ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ هُدًى، وَجَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ «عَلَى» فِي قَوْلِهِ: {عَلَى الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 3] فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: أَوْصِلِ الْفِعْلَ بِـ «عَلَى» ، كَمَا قِيلَ: ضَرَبُوهُ فِي السَّيْفِ، يُرِيدُ بِالسَّيْفِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يُوصَلُ بِهَا كُلَّهَا وَتُحْذَفُ، نَحْوَ قَوْلِ الْعَرَبِ: نَزَلْتُ زَيْدًا، وَمَرَرْتُ زَيْدًا، يُرِيدُونَ: مَرَرْتُ بِهِ، وَنَزَلْتُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَدْخَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْفِعْلَ يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَاهُ مِنَ الْأَفْعَالِ،