التَّقْدِيمُ، وَيُمَثِّلُهُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: مَرَرْتُ بِالظَّرِيفِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْكَلَامُ الَّذِي يُوضَعُ مَكَانَ الِاسْمِ: النَّعْتِ، ثُمَّ يُجْعَلُ الِاسْمُ مَكَانَ النَّعْتِ، فَيَتْبَعُ إِعْرَابَهُ إِعْرَابَ النَّعْتِ الَّذِي وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
[البحر الرجز]
لَوْ كُنْتَ ذَا نَبْلٍ وَذَا شَرِيبِ ... مَا خِفْتَ شَدَّاتِ الْخَبِيثِ الذِّيبِ
وَأَمَّا الْكَسَائِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ: مَنْ خَفَضَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ كَلَامًا وَاحِدًا وَأَتْبَعَ الْخَفْضَ الْخَفْضَ، وَبِالْخَفْضِ كَانَ يَقْرَأُهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّهُمْ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَرَأَهُ بِالرَّفْعِ، أَرَادَ مَعْنَى مَنْ خَفَضَ فِي إِتْبَاعِ الْكَلَامِ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَكِنَّهُ رَفَعَ لِانْفِصَالِهِ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [التوبة: 112] وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} اللَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ جَمِيعَ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ لِتَدْعُوَ عِبَادِي إِلَى عِبَادَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَيَدَعُوا عِبَادَةَ مَنْ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ وَلَا لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، ثُمَّ تَوَعَّدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ كَفَرَ بِهِ وَلَمْ يَسْتَجِبْ لِدُعَاءِ رَسُولِهِ إِلَى مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لَهُ، فَقَالَ: {وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم: 2] يَقُولُ: الْوَادِي الَّذِي يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ