الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا، تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا، وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [الرعد: 35] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي رَافِعِ «الْمَثَلُ» ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ الرَّافِعُ لِلْمَثَلِ قَوْلُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25] فِي الْمَعْنَى، وَقَالَ: هُوَ كَمَا تَقُولُ حِلْيَةُ فُلَانٍ أَسْمَرُ كَذَا وَكَذَا، فَلَيْسَ الْأَسْمَرُ بِمَرْفُوعٍ بِالْحِلْيَةِ، إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءٌ، أَيْ هُوَ أَسْمَرُ هُو كَذَا، قَالَ: وَلَوْ دَخَلَ أَنَّ فِيَ مِثْلِ هَذَا كَانَ صَوَابًا قَالَ: وَمَثَلُهُ فِي الْكَلَامِ مَثَلُكَ أَنَّكَ كَذَا وَأَنَّكَ كَذَا وَقَوْلُهُ: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أنا} [عبس: 25] مَنْ وَجَّهَ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا} [محمد: 15] وَمَنْ قَالَ: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ} [عبس: 25] أَظْهَرَ الِاسْمَ، لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ عَلَى الطَّعَامِ بِالْخَفْضِ، وَمُسْتَأْنَفٌ، أَيْ: طَعَامُهُ أَنَّا صَبَبْنَا ثُمَّ فَعَلْنَا. وَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ} [الرعد: 35] : صِفَاتُ الْجَنَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ مَعْنَى ذَلِكَ: صِفَةُ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم: 27] مَعْنَاهُ: وَلِلَّهِ الصِّفَةُ الْعُلْيَا. قَالَ: فَمَعْنَى الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الرعد: 35] أَوْ فِيهَا أَنْهَارٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَصَفَ الْجَنَّةَ صِفَةً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، أَوْ صِفَةً فِيهَا أَنْهَارٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.