حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " اسْتَيْأَسَ الرَّجُلُ أَنْ تُعَذَّبَ قَوْمَهُمْ، وَظَنَّ قَوْمُهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كَذَبُوا، جَاءَهُمْ نَصْرُنَا، قَالَ: جَاءَ الرُّسُلَ نَصْرُنَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ فِي -[399]- الْمُؤْمِنِ: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [غافر: 83] قَالَ: " قَوْلُهُمْ نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، وَلَنْ نُعَذَّبَ، وَقَوْلُهُ: {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزئُونَ} [الزمر: 48] قَالَ: «حَاقَ بِهِمْ مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُمْ مِنَ الْحَقِّ» وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى خِلَافِهَا، وَلَوْ جَازَتِ الْقِرَاءَةُ بِذَلِكَ لَاحْتَمَلَ وَجْهًا مِنَ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا تَأَوَّلَهُ مُجَاهِدٌ، وَهُوَ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف: 110] مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قَوْمَهَا الْمُكَذِّبَةَ بِهَا، وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ قَوْمَهَا قَدْ كَذَّبُوا وَافْتَرُوا عَلَى اللَّهِ بِكُفْرِهِمْ بِهَا، وَيَكُونُ الظَّنُّ مُوَجَّهًا حِينَئِذٍ إِلَى مَعْنَى الْعِلْمِ، عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 110] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْعِرَاقِ: (فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ) بِنُونَيْنِ، بِمَعْنَى: فَنُنْجِي نَحْنُ مَنْ نَشَاءُ مِنْ رُسُلِنَا وَالْمُؤْمِنِينَ بِنَا، دُونَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَنَا إِذَا جَاءَ الرُّسُلَ نَصْرُنَا، وَاعْتَلَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا كُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ بَنُونٍ وَاحِدَةٍ، وَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ بِنُونَيْنِ، لِأَنَّ إِحْدَى النُّونَيْنِ حَرْفٌ مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ، مِنْ أَنْجَى يُنْجِي، وَالْأُخْرَى النُّونُ الَّتِي تَأْتِي لِمَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، مِنْ فِعْلِ جَمَاعَةٍ مُخْبِرَةٍ عَنْ أَنْفُسِهَا، لِأَنَّهُمَا حَرْفَانِ، أَعْنِي النُّونَيْنِ مِنْ -[400]- جِنْسِ وَاحِدٍ يُخْفِي الثَّانِي مِنْهُمَا عَنِ الْإِظْهَارِ فِي الْكَلَامِ، فَحُذِفَتْ مِنَ الْخَطِّ، وَاجْتُزِئَ بِالْمُثْبَتَةِ مِنَ الْمَحْذُوفَةِ، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْحَرْفَيْنِ اللَّذَيْنِ يُدْغَمُ أَحَدُهُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، غَيْرَ أَنَّهُ أَدْغَمَ النُّونَ الثَّانِيَةَ وَشَدَّدَ الْجِيمَ، وَقَرَأَهُ آخَرُ مِنْهُمْ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَنَصْبِ الْيَاءِ، عَلَى مَعْنَى فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ مِنْ نَجَّيْتُهُ أُنْجِيهِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: (فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالتَّخْفِيفِ، مِنْ نَجَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَنْ نَشَاءُ يَنْجُو. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: (فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ) بِنُونَيْنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْقِرَاءَةُ فِي الْأَمْصَارِ، وَمَا خَالَفَهُ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِبَعْضِ الْوجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَمُنْفَرِدٌ بِقِرَاءَتِهِ عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمَعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ خِلَافُ مَا كَانَ مُسْتَفِيضًا بِالْقِرَاءَةِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَنُنَجِّي الرُّسُلُ وَمَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَاءَ نَصْرُنَا، كَمَا