شَمْلَهُ، وَأَقَرَّ عَيْنَهُ، خَلَا وَلَدُهُ نَجِيًّا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَسْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ، وَمَا لَقِيَ مِنْكُمُ الشَّيْخُ، وَمَا لَقِيَ مِنْكُمْ يُوسُفُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَيَغُرُّكُمْ عَفْوُهُمَا عَنْكُمْ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِرَبِّكُمْ؟ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهُمْ عَلَى أَنْ أَتَوُا الشَّيْخَ، فَجَلَسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُوسُفُ إِلَى جَنْبِ أَبِيهِ قَاعِدٌ، قَالُوا: يَا أَبَانَا، أَتَيْنَاكَ فِي أَمْرٍ لَمْ نَأْتِكَ فِي أَمْرٍ مِثْلَهُ قَطُّ، وَنَزَلَ بِنَا أَمْرٌ لَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلَهُ، حَتَّى حَرَّكُوهُ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَرْحَمُ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ: مَالُكُمْ يَا بَنِيَّ؟ قَالُوا: أَلَسْتَ قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ مِنَّا إِلَيْكَ، وَمَا كَانَ مِنَّا إِلَى أَخِينَا يُوسُفَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالُوا: أَفَلَسْتُمَا قَدْ عَفَوْتُمَا؟ قَالَا: بَلَى، قَالُوا: فَإِنَّ عَفْوَكُمَا لَا يُغْنِي عَنَّا شَيْئًا إِنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنَّا، قَالَ: فَمَا تُرِيدُونَ يَا بَنِيَّ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ لَنَا، فَإِذَا جَاءَكَ الْوَحْي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِأَنَّهُ قَدْ عَفَا عَمَّا صَنَعْنَا قَرَّتْ أَعْيُنُنَا وَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُنَا، وَإِلَّا فَلَا قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا لَنَا أَبَدًا. قَالَ: فَقَامَ الشَّيْخُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَامَ يُوسُفُ خَلْفَ أَبِيهِ، وَقَامُوا خَلْفَهُمَا أَذِلَّةً خَاشِعِينَ، قَالَ: فَدَعَا وَأَمَّنَ يُوسُفُ، فَلَمْ يُجَبْ فِيهِمْ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ صَالِحٌ الْمُرِّيُّ: يُخِيفُهُمْ. قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ رَأْسُ الْعِشْرِينَ، نَزَلَ جَبْرَئِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعَثَنِي إِلَيْكَ أُبَشِّرُكَ بِأَنَّهُ قَدْ أَجَابَ دَعْوَتَكَ فِي وَلَدِكَ، وَأَنَّهُ قَدْ عَفَا عَمَّا صَنَعُوا، وَأَنَّهُ قَدِ اعْتَقَدَ مَوَاثِيقَهُمْ مِنْ بَعْدِكَ عَلَى النُّبُوَّةِ "