القول في تأويل قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها إن النفس لأمارة بالسوء يقول: إن النفوس نفوس العباد تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] يَقُولُ يُوسُفَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53] مِنَ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ فَأُزَكِّيَهَا {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] يَقُولُ: إِنَّ النُّفُوسَ نُفُوسَ الْعِبَادِ تَأْمُرُهُمْ بِمَا تَهْوَاهُ، وَإِنْ كَانَ هَوَاهَا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53] يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يَرْحَمَ رَبِّي مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُنْجِيَهِ مِنِ اتِّبَاعِ هَوَاهَا وَطَاعَتِهِ فِيمَا تَأْمُرُهُ بِهِ مِنَ السُّوءِ. {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] وَ «مَا» فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ، كَقَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ. إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا} [يس: 44] بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يُرْحَمُوا، (وَأَنْ) إِذَا كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ تُضَارِعُ (مَا) . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] : أَنَّ اللَّهَ ذُو صَفْحٍ عَنْ ذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ، بِتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُ عَلَيْهَا وَفَضَيحَتَهُ بِهَا، رَحِيمٌ بِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ أَنْ يُعَذِّبَهُ عَلَيْهَا. وَذُكِرَ أَنَّ يُوسُفَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ يُوسُفَ لَمَّا قَالَ: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] قَالَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: وَلَا يَوْمَ هَمَمْتَ بِهَا؟ فَقَالَ يُوسُفُ حِينَئِذٍ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقَائِلَ لِيُوسُفَ: وَلَا يَوْمَ هَمَمْتَ بِهَا فَحَلَلْتَ سَرَاوِيلَكَ؟ هُوَ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، فَأَجَابَهَا يُوسُفُ بِهَذَا الْجَوَابِ. وَقِيلَ: إِنَّ يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015