الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 14] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكُمْ مَنْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ مُفْتَرَيَاتٍ، وَلَمْ تُطِيقُوا أَنْتُمْ وَهُمْ أَنْ تَأْتُوا بِذَلِكَ، فَاعْلَمُوا وَأَيْقِنُوا أَنَّهُ إِنَّمَا أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَفْتَرِهْ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَرِيَهُ، {وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [هود: 14] يَقُولُ: وَأَيْقِنُوا أَيْضًا أَنْ لَا مَعْبُودَ يَسْتَحِقُّ الْأَلُوهَةَ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، فَاخْلَعُوا الْأَنْدَادَ وَالْآلِهَةَ، وَأَفْرِدُوا لَهُ الْعِبَادَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} [هود: 14] خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ يَا مُحَمَّدُ، فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ. وَذَلِكَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ. وَقَوْلُهُ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 14] يَقُولُ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُذْعِنُونَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، وَمُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ؟ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: عُنِيَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ