حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس: 100] وَنَحْوُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْرِصُ أَنْ يُؤْمِنَ جَمِيعُ النَّاسِ، وَيُتَابِعُوهُ عَلَى الْهُدَى، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَضِلُّ إِلَّا مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ الشَّقَاءُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] فَالْكُلُّ يَدُلُّ عَلَى الْجَمِيعِ، وَالْجَمِيعُ عَلَى الْكَلِّ، فَمَا وَجْهُ تَكْرَارِ ذَلِكَ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُغْنِي عَنِ الْأُخْرَى؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ: جَاءَ بِقَوْلِهِ «جَمِيعًا» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَوْكِيدًا كَمَا قَالَ: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل: 51] فَفِي قَوْلِهِ: {إِلَهَيْنِ} [المائدة: 116] دَلِيلٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: جَاءَ بِقَوْلِهِ {جَمِيعًا} [البقرة: 29] بَعْدَ {كُلُّهُمْ} [يونس: 99] ، لِأَنَّ «جَمِيعًا» لَا تَقَعُ إِلَّا تَوْكِيدًا، و «كُلُّهُمْ» يَقَعُ تَوْكِيدًا وَاسْمًا؛ فَلِذَلِكَ جَاءَ بِـ {جَمِيعًا} [البقرة: 29] بَعْدَ «كُلُّهُمْ» . قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُعْلَمَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ لَجَازَ -[299]- هَهُنَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ: {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل: 51] الْعَدَدُ كُلُّهُ يُفَسَرُ بِهِ، فَيُقَالُ: رَأَيْتُ قَوْمًا أَرْبَعَةً، فَمَا جَاءَ بِاثْنَيْنِ وَقَدِ اكْتَفَى بِالْعَدَدِ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ، فَيَكْفِي مِنْ قَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَدِرْهَمَانِ اثْنَانِ، فَإِذَا قَالُوا دَرَاهِمَ، قَالُوا ثَلَاثَةً، لِأَنَّ الْجَمْعَ يَلْتَبِسُ وَالْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ لَا يَلْتَبِسَانِ، لَمْ يُثَنِ الْوَاحِدَ وَالتَّثْنِيَةُ عَلَى تَنَافِي الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ، لِأَنَّ دِرْهَمًا يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ، وَوَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ الْأَجْنَاسِ، وَكَذَلِكَ اثْنَانِ يَدُلَّانِ عَلَى كُلِّ الْأَجْنَاسِ، وَدِرْهَمَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِالْأَعْدَادِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَقَوْلُهُ: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَنْ يُصَدِّقَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَنْ يَتَّبِعَكَ وَيَقِرَّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا مَنْ شَاءَ رَبُّكَ أَنْ يُصَدِّقَكَ، لَا بِإِكْرَاهِكَ إِيَّاهُ وَلَا بِحِرْصِكَ عَلَى ذَلِكَ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ لَكَ مُصَدِّقِينَ عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ؟ يَقُولُ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] وَ {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}