حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَسْلَمَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» بِالتَّاءِ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنْ -[199]- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: غَيْرَ أَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ كَانَ يَقْرَأُ قَوْلَهُ: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] بِالْيَاءِ؛ الْأَوَّلُ عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ، وَالثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْ غَائِبٍ. وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَأُ ذَلِكَ نَحْوَ قِرَاءَةِ أُبَيِّ بِالتَّاءِ جَمِيعًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ مِنْ قِرَاءَةِ الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا بِالْيَاءِ: {فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَأْمُرُ الْمُخَاطَبَ بِاللَّامِ وَالتَّاءِ، وَإِنَّمَا تَأْمُرُهُ فَتَقُولُ افْعَلْ، وَلَا تَفْعَلْ. وَبَعْدُ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَرْدِئُ أَمْرَ الْمُخَاطَبِ بِاللَّامِ، وَيَرَى أَنَّهَا لُغَةٌ مَرْغُوبٌ عَنْهَا غَيْرُ الْفَرَّاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّامَ فِي ذِي التَّاءِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ وَاجَهَتْ بِهِ أَمْ لَمْ تُوَاجِهْ، إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ حَذَفَتِ اللَّامَ -[200]- مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ الْمُوَاجِهْ لِكَثْرَةِ الْأَمْرِ خَاصَّةً فِي كَلَامِهِمْ، كَمَا حَذَفُوا التَّاءَ مِنَ الْفِعْلِ. قَالَ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْجَازِمَ وَالنَّاصِبَ لَا يَقَعَانِ إِلَّا عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي أَوَّلُهُ الْيَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ وَالْأَلِفُ، فَلَمَّا حُذِفَتِ التَّاءُ ذَهَبَتِ اللَّامُ وَأُحْدِثَتِ الْأَلِفُ فِي قَوْلِكَ: اضْرِبْ وَافْرَحْ، لِأَنَّ الْفَاءَ سَاكِنَةٌ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يُسْتَأْنَفَ بِحَرْفٍ سَاكِنٍ، فَأَدْخَلُوا أَلِفًا خَفِيفَةً يَقَعُ بِهَا الِابْتِدَاءُ، كَمَا قَالَ: {ادَّارَكُوا} [الأعراف: 38] وَ {اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة: 38] وَهَذَا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ الْفَرَّاءُ عَلَيْهِ لَا لَهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِنْ كَانَتْ قَدْ حَذَفَتِ اللَّامَ فِي الْمُوَاجِهْ وَتَرَكْتَهَا، فَلَيْسَ لِغَيْرِهَا إِذَا نَطَقَ بِكَلَامِهَا أَنْ يُدْخِلَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهُ مَا دَامَ مُتَكَلِّمًا بَلَغْتِهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ خَارِجًا عَنْ لُغَتِهَا، وَكَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ بِلِسَانِهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْلُوهُ إِلَّا بِالْأَفْصَحِ مِنْ كَلَامِهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بَعْضُ ذَلِكَ مِنْ لُغَةِ بَعْضِهَا، فَكَيْفَ بِمَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ مِنْ لُغَةِ حَيٍّ وَلَا قَبِيلَةٍ مِنْهَا؟ وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى لَا ثَبْتَ بِهَا وَلَا حُجَّةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015