مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ {مِثْلِهِ} [البقرة: 23] كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِ سُورَتِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَتْ «سُورَةٌ» وَأُضِيفَ الْمِثْلُ إِلَى مَا كَانَ مُضَافًا إِلَيْهِ السُّورَةُ، كَمَا قِيلَ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يُرَادُ بِهِ: وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَأْتُوا بِقُرْآنٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ السُّورَةَ إِنَّمَا هِيَ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَهِيَ قُرْآنٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ، فَقِيلَ لَهُمْ: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] وَلَمْ يَقُلْ: «مِثْلِهَا» ، لِأَنَّ الْكِنَايَةَ أُخْرِجَتْ عَلَى الْمَعْنَى، أَعْنِي مَعْنَى السُّورَةِ، لَا عَلَى لَفْظِهَا، لِأَنَّهَا لَوْ أُخْرِجَتْ عَلَى لَفْظِهَا لَقِيلَ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا. {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ} [يونس: 38] يَقُولُ: وَادْعُوا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا مَنْ قَدَرْتُمْ أَنْ تَدْعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَائِكُمْ وَشُرَكَائِكُمْ {مِنْ دُونِ اللَّهِ} [البقرة: 23] يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، فَأَجْمِعُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَهِدُوا، فَإِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ أَبَدًا. وَقَوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يُعِينُكُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّكُمْ كَذْبَةٌ فِي زَعْمِكُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَنْ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَشَرًا