حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، " {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} [يونس: 27] قَالَ: ظُلْمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قِطَعًا} [يونس: 27] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: {قِطَعًا} [يونس: 27] بِفَتْحِ الطَّاءِ عَلَى مَعْنَى جَمْعِ قِطْعَةٍ، وَعَلَى مَعْنَى أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وَجْهُ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ قِطْعَةً مِنْ سَوَّادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَمَعَ ذَلِكَ فَقِيلَ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهَهُمْ قِطَعًا مِنْ سَوَّادٍ، إِذْ جَمَعَ «الْوَجْهَ» . -[169]- وَقَرَأَهُ بَعْضُ مُتَأَخِرِي الْقُرَّاءِ: «قِطْعًا» بِسُكُونِ الطَّاءِ، بِمَعْنَى: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ سَوَادًا مِنَ اللَّيْلِ، وَبَقِيَّةً مِنَ اللَّيْلِ، سَاعَةً مِنْهُ، كَمَا قَالَ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81] أَيْ بِبَقِيَّةٍ قَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ، وَيَعْتَلُّ لِتَصْحِيحِ قِرَاءَتَهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّهُ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ: «وَيَغْشَى وُجُوهَهُمْ قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمٌ» . وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا عِنْدِي قِرَاءَةُ ذَلِكَ بِفَتْحِ الطَّاءِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَصْوِيبِهَا، وَشُذُوذِ مَا عَدَاهَا. وَحَسْبُ الْأُخْرَى دَلَالَةٌ عَلَى فَسَادِهَا، خُرُوجُ قَارِئِهَا عَمَّا عَلَيْهِ قُرَّاءُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْإِسْلَامِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الصَّوَابُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ مَا قُلْتَ، فَمَا وَجْهُ تَذْكِيرِ الْمُظْلِمِ وَتَوْحِيدِهِ، وَهُوَ مِنْ نَعْتِ الْقِطَعِ، وَالْقِطَعُ جَمْعٌ لِمُؤَنَّثٍ؟ قِيلَ فِي تَذْكِيرِهِ ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ نَعْتِ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ نَكِرَةً، وَاللَّيْلُ مَعْرِفَةً نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ. فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنَ «الْمُظْلِمِ» ، فَلَمَّا صَارَ نَكِرَةً، وَهُوَ مِنْ نَعْتِ اللَّيْلِ نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ؛ وَتُسَمِّي أَهْلُ الْبَصْرَةِ مَا كَانَ كَذَلِكَ حَالًا، وَالْكُوفِيُّونَ قَطْعًا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

[البحر البسيط]

-[170]- لَوْ أَنَّ مِدْحَةَ حَيٍّ مُنْشِرٌ أَحَدًا

وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَجْهَيهِ وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} [البقرة: 39] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس: 27] يَقُولُ: هُمْ فِيهَا مَاكِثُونَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015