الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرْفَ اللَّهُ قُلْوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 127] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهَا عَيْبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَتَنَاظُرُوا هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِنْ تَكَلَّمْتُمْ أَوْ تَنَاجَيْتُمْ بِمَعَايِبِ الْقَوْمِ يُخْبِرُهُمْ بِهِ، ثُمَّ قَامَ فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْتَمِعُوا قِرَاءَةَ السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا مَعَايبُهُمْ. ثُمَّ ابْتَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَوْلَهُ: {صَرْفَ اللَّهُ قُلْوبَهُمْ} [التوبة: 127] فَقَالَ: صَرْفَ اللَّهُ عَنِ الْخَيْرِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قُلْوبَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ؛ ذَلِكَ {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65] يَقُولُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ هَذَا الْخُذْلَانِ، وَصَرَفَ قُلْوبُهُمْ عَنِ الْخَيْرَاتِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُوَنَ عَنِ اللَّهِ مَوَاعِظَهُ، اسْتِكْبَارًا وَنِفَاقًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْجَالِبِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْويِّي الْبَصْرَةِ، قَالَ: نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ كَأَنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَانَ إِيمَاءً وَتَنْبِيهًا بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.