الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُمْ يَا مُحَمَّدُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بَنَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. ثُمَّ أَقْسَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ: {لِمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ} [التوبة: 108] أَنْتَ فِيهِ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة: 108] ابْتُدِئَ أَسَاسُهُ وَأَصْلُهُ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ابْتُدِئَ فِي بِنَائِهِ {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108] يَقُولُ: أَوْلَى أَنْ تَقُومَ فِيهِ مُصَلِّيًا. وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] مَبْدَأُ أَوَّلِ يَوْمٍ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: لَمْ أَرَهُ مِنْ يَوْمِ كَذَا، بِمَعْنَى مَبْدَؤُهُ، وَمِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ يُرَادُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَيَّامِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَقِيتُ كُلَّ رَجُلٍ، بِمَعْنَى كُلِّ الرِّجَالِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِيهِ مِنْبَرُهُ وَقَبْرُهُ الْيَوْمَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ