ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمِيرًا عَلَى الْحَاجِّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، وَالنَّاسُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَنْ لَا يُصَدَّ عَنِ الْبَيْتِ أَحَدٌ -[305]- جَاءَهُ، وَأَنْ لَا يَخَافَ أَحَدٌ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ عَهْدًا عَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنَ الْعَرَبِ خَصَائِصَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي تَبُوكَ وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ، فَكَشَفَ اللَّهُ فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِغَيْرِ مَا يُظْهِرُونَ، مِنْهُمْ مَنْ سُمِّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَنَا، فَقَالَ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] أَيْ لِأَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْعَرَبِ {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] إِلَى قَوْلِهِ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْحِجَّةِ " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ إِمْهَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِسِيَاحَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَهْدٌ فَإِنَّمَا كَانَ أَجَلُهُ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَذَلِكَ عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ كُلُّهُ. قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَجَلَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ كَانَ إِلَى انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ، قَالُوا: وَالنِّدَاءُ بِبَرَاءَةٌ كَانَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي قَوْلِ قَوْمٍ، وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ يَوْمًا. قَالُوا: وَأَمَّا تَأْجِيلُ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّمَا كَانَ لِأَهْلِ الْعَهْدِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمَ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ. قَالُوا: وَنَزَلَتْ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ، فَكَانَ انْقِضَاءُ مُدَّةِ أَجَلِهِمُ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ يَقُولُ: ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ كَانَ لِلْفَرِيقَيْنِ وَاحِدًا، أَعْنِي الَّذِي لَهُ الْعَهْدُ وَالَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ أَجَلَ -[306]- الَّذِي كَانَ لَهُ عَهْدٌ كَانَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَالَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ: انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَذَلِكَ انْقِضَاءُ الْمُحَرَّمِ