الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 72] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. {وَهَاجَرُوا} [الأنفال: 72] يَعْنِي: هَجَرُوا قَوْمَهُمْ وَعَشِيرَتَهُمْ وَدُورَهُمْ، يَعْنِي: تَرَكُوهُمْ وَخَرَجُوا عَنْهُمْ، وَهَجَرَهُمْ قَوْمُهُمْ وَعَشِيرَتُهُمْ. {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 218] يَقُولُ: بَالَغُوا فِي إِتْعَابِ نُفُوسِهِمْ وَإِنْصَابِهَا فِي حَرْبِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنَ الْكُفَّارِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَقُولُ فِي دِينِ اللَّهِ الَّذِي جَعَلَهُ طَرِيقًا إِلَى رَحْمَتِهِ وَالنَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ. {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} [الأنفال: 72] يَقُولُ: وَالَّذِينَ آوَوْا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ، يَعْنِي أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُمْ مَأْوًى يَأْوُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمَثْوَى وَالْمَسْكَنُ، يَقُولُ: أَسْكَنُوهُمْ وَجَعَلُوا لَهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ مَسَاكِنَ؛ إِذْ أُخْرَجَهُمْ قَوْمُهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ {وَنَصَرُوا} [الأنفال: 72] يَقُولُ: وَنَصَرُوهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَاءِ اللَّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72] يَقُولُ: هَاتَانِ الْفِرْقَتَانِ، يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، بَعْضُهُمْ أَنْصَارُ بَعْضٍ، وَأَعْوَانٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَيْدِيهِمْ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَبَعْضُهُمْ إِخْوَانٌ لِبَعْضٍ دُونَ أَقْرِبَائِهِمُ الْكُفَّارِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْضٍ، وَأَنَّ اللَّهَ وَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ دُونَ الْقَرَابَةِ وَالْأَرْحَامِ، وَأَنَّ اللَّهَ نَسْخَ ذَلِكَ بَعْدَ بِقَوْلِهِ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6]