خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] فَلَمْ يَكُنِ التَّخْفِيفُ إِلَّا بَعْدَ التَّثْقِيلِ، وَلَوْ كَانَ ثُبُوتُ الْعَشَرَةِ مِنْهُمْ للمِائَةِ مِنْ عَدُوِّهِمْ كَانَ غَيْرَ فَرْضٍ عَلَيْهِمْ قَبْلَ التَّخْفِيفِ وَكَانَ نَدْبًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْفِيفِ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ إِنَّمَا هُوَ تَرْخِيصٌ فِي تَرْكِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الثُّبُوتَ لِلْعَشَرَةِ مِنَ الْعَدُوِّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ التَّشْدِيدُ قَدْ كَانَ لَهُ مُتَقَدَّمًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْخِيصِ وَجْهٌ؛ إِذْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنَ التَّرْخِيصِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّشْدِيدِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَ حُكْمَ قَوْلِهِ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] نَاسِخٌ لِحُكْمِ قَوْلِهِ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا «لَطِيفُ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ» أَنَّ كُلَّ خَبَرٍ مِنَ اللَّهِ وَعَدَ فِيهِ عِبَادَهُ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا وَجَزَاءً، وَعَلَى تَرْكِهِ عِقَابًا وَعَذَابًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا ظَاهِرُهُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ , فَفِي مَعْنَى الْأَمْرِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] فَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا) بِضَمِّ الضَّادِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَتَنْوِينِ الضُّعْفِ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ ضَعُفَ الرَّجُلُ ضُعْفًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] بِفَتْحِ الضَّادِ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْضًا مِنْ ضَعُفَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015