ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: " {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] قَالَ: كَانَ الْفَيْءُ فِي هَؤُلَاءِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى -[186]- وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] فَنَسَخَتْ هَذِهِ مَا كَانَ قَبْلَهَا فِي سُورَةِ الْحَشْرِ، وَجَعَلَ الْخُمُسَ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْفَيْءُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ، وَسَائِرُ ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ " وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى الْغَنِيمَةَ، وَأَنَّهَا الْمَالُ يُوصَلُ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ مَنْ خَوَّلَ اللَّهُ مَالَهُ أَهْلَ دِينِهِ بِغَلَبَةٍ عَلَيْهِ وَقَهْرٍ بِقِتَالٍ. فَأَمَّا الْفَيْءُ، فَإِنَّهُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَهُوَ مَا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بِصُلْحٍ، مِنْ غَيْرِ إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مَا رَدَّتْهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا سُيُوفُهُمْ وَرِمَاحُهُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ سِلَاحِهِمْ فَيْئًا؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ إِنَّمَا هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَاءَ الشَّيْءُ يَفِيءُ فَيْئًا: إِذَا رَجَعَ، وَأَفَاءَهُ اللَّهُ: إِذَا رَدَّهُ. غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ وَرَدَ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ مِنَ الْفَيْءِ يَحْكِيهِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ إِنَّمَا هُوَ مَا وَصَفْتُ صِفَتَهُ مِنَ الْفَيْءِ دُونَ مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، لِعِلَلٍ قَدْ بَيَّنْتُهَا فِي كِتَابِنَا: «كِتَابُ لَطِيفِ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ» وَسَنُبَيِّنُهُ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَشْرِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ نَاسِخَةٌ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ فَلَا مَعْنَى لَهُ، إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ يَنْفِي حُكْمَ الْأُخْرَى. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النَّسْخِ، وَهُوَ نَفْي حُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ بِحُكْمٍ بِخِلَافِهِ، فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ -[187]- فِي هَذَا الْمَوْضِعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015