وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَإِنِ انْتَهَوْا} [البقرة: 192] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْفِتْنَةِ، وَهِيَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَصَارُوا إِلَى الدِّينَ الْحَقِّ مَعَكُمْ {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39] يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْمَلُونَ مِنْ تَرْكِ الْكُفْرِ وَالدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُبْصِرُكُمْ وَيُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مُتَجَلِّيَةٌ لَهُ لَا تَغِيبُ عَنْهُ وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْقِتَالِ. وَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا.