كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ رَافِعٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، " كَانَ يَقْرَؤُهَا: {فَرَّقُوا دِينَهُمْ} [الأنعام: 159] وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، أَعْنِي قِرَاءَةَ عَبْدِ اللَّهِ، قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ. وَكَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ تَأَوَّلَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةُ الْمُسْلِمَةُ، فَفَرَّقَ ذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَتَهَوَّدَ قَوْمٌ، وَتَنَصَّرَ آخَرُونَ، فَجَعَلُوهُ شِيَعًا مُتَفَرِّقَةً. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، قَدْ قَرَأَتْ بِكُلِّ -[31]- وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْهِ. وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ضَالٍّ فَلِدِينِهِ مُفَارِقٌ، وَقَدْ فَرَّقَ الْأَحْزَابُ دِينَ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، فَتَهَوَّدَ بَعْضٌ، وَتَنَصَّرَ آخَرُونَ، وَتَمَجَّسَ بَعْضٌ، وَذَلِكَ هُوَ التَّفْرِيقُ بِعَيْنِهِ وَمَصِيرُ أَهْلِهِ شِيَعًا مُتَفَرِّقِينَ غَيْرَ مُجْتَمِعِينَ، فَهُمْ لِدِينِ اللَّهِ الْحَقِّ مُفَارِقُونَ وَلَهُ مُفَرِّقُونَ، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ لِلْحَقِّ مُصِيبٌ، غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ بِالَّذِي عَلَيْهِ عِظَمُ الْقُرَّاءِ، وَذَلِكَ تَشْدِيدُ الرَّاءِ مِنْ (فَرَّقُوا) ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} [الأنعام: 159] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى