وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا مِنْ إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إِلَّا مَا يَسَعُهَا، فَيَحِلُّ لَهَا، وَلَا تَحْرَجَ فِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلِمَ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَضِيقُ نَفْسُهُ عَنْ أَنْ تَطِيبَ لِغَيْرِهِ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ، فَأَمَرَ الْمُعْطِي بِإِيفَاءِ رَبِّ الْحَقِّ حَقَّهُ الَّذِي هُوَ لَهُ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الزِّيَادَةَ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ بِهَا، وَأَمَرَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ بِأَخْذِ حَقِّهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الرِّضَا بِأَقَلَّ مِنْهُ، لِمَا فِي النُّقْصَانِ عَنْهُ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُكَلِّفْ نَفْسًا مِنْهُمَا إِلَّا مَا لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا ضِيقَ، فَلِذَلِكَ قَالَ: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا بَيَانَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ