الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مُحَرِّمُوهُ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ فِي تَنْزِيلِي عَلَيْكَ: تَعَالَوْا أَيُّهَا الْقَوْمُ أَقْرَأْ عَلَيْكُمْ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ حَقًّا يَقِينًا، لَا الْبَاطِلَ، تَخَرُّصًا كَخَرَصِكُمْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَالْفِرْيَةَ ظَنًّا، وَلَكِنْ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ أَوْحَاهُ إِلَيَّ، وَتَنْزِيلًا أَنْزَلَهُ عَلَيَّ، أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا تَعْدِلُوا بِهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، وَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا سِوَاهُ. {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] يَقُولُ: وَأَوْصَى بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَحَذَفَ (أَوْصَى) وَأَمَرَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَمَعْرِفَةِ السَّامِعِ بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْكِتَابِ. وَأَمَّا (أَنْ) فِي قَوْلِهِ: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151] فَرُفِعَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ هُوَ أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ فِي قَوْلِهِ: {تُشْرِكُوا} [النساء: 36] وَجْهَانِ: الْجَزْمُ بِالنَّهْيِ، وَتَوْجِيهُهُ (لَا) إِلَى مَعْنَى النَّهْيِ. وَالنَّصْبُ عَلَى تَوْجِيهِ الْكَلَامِ إِلَى الْخَبَرِ، وَنَصْبِ (تُشْرِكُوا) بِـ (أَلَّا) كَمَا يُقَالُ: أَمَرْتُكَ أَنْ لَا تَقُومَ.