الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إَلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الأنعام: 148] وَهُمُ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148] يَقُولُ: قَالُوا احْتِجَازًا مِنَ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ مِنَ الْحُجَّةِ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، وَعَلِمُوا بَاطِلَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ مِنْ شِرْكِهِمْ وَتَحْرِيمِهِمْ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنَ الْحُرُوثِ وَالْأَنْعَامِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ ذَلِكَ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: 136] وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ مِنَّا الْإِيمَانَ بِهِ وَإِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ دُونَ الْأَوْثَانِ وَالْآلِهَةِ وَتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِنَا، مَا جَعَلْنَا لِلَّهِ شَرِيكًا، وَلَا جَعَلَ ذَلِكَ لَهُ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلِنَا، وَلَا حَرَّمْنَا مَا نُحَرِّمُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي نَحْنُ عَلَى تَحْرِيمِهَا مُقِيمُونَ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُولَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذَلِكَ، حَتَّى لَا يَكُونَ لَنَا إِلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سَبِيلٌ، إِمَّا بِأَنْ يَضْطَرَّنَا إِلَى الْإِيمَانِ وَتَرْكِ الشِّرْكِ بِهِ وَإِلَى الْقَوْلِ بِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمْنَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَلْطُفَ بِنَا بِتَوْفِيقِهِ فَنَصِيرَ إِلَى الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ مَا دُونَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَصْنَامِ، وَإِلَى تَحْلِيلِ مَا حَرَّمْنَا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ مِنَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَاتِّخَاذِ الشَّرِيكِ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَأَرَادَ مَا نُحَرِّمُ مِنَ الْحُرُوثِ