حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، ثني الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ، وَذَكَرَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] قُلْتُ: «وَإِنَّ الْبُرْمَةَ لِيُرَى فِي مَائِهَا الصُّفْرَةُ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّجْسِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَأَنَّهُ النَّجَسُ وَالنَّتْنُ، وَمَا يُعْصَى اللَّهُ بِهِ، بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْفِسْقِ، وَفِي قَوْلِهِ: {أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] قَدْ مَضَى ذَلِكَ كُلُّهُ بِشَوَاهِدِهِ الْكَافِيَةِ مِنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ عَنْ تِكْرَارِهِ وَإِعَادَتِهِ. -[636]- وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ} [الأنعام: 145] بِالْيَاءِ { (مَيْتَةً) } مُخَفَّفَةَ الْيَاءِ مَنْصُوبَةً عَلَى أَنَّ فِي (يَكُونَ) مَجْهُولًا، وَالْمَيْتَةُ فِعْلٌ لَهُ فَنُصِبَتْ عَلَى أَنَّهَا فِعْلُ (يَكُونَ) ، وَذَكَّرُوا (يَكُونَ) لِتَذْكِيرِ الْمُضْمَرِ فِي (يَكُونَ) . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) بِالتَّاءِ (مَيْتَةً) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ مِنَ الْمَيْتَةِ وَنَصْبِهَا. وَكَأَنَّ مَعْنَى نَصْبِهِمُ الْمَيْتَةَ مَعْنَى الْأَوَّلِينَ، وَأَنَّثُوا (تَكُونَ) لِتَأْنِيثِ الْمَيْتَةِ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّهَا قَائِمَةٌ جَارِيَتُكَ، وَإِنَّهُ قَائِمٌ جَارِيَتُكَ، فَيُذَكَّرُ الْمَجْهُولُ مَرَّةً، وَيُؤَنَّثُ أُخْرَى لِتَأْنِيثِ الِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَيِّتَةٌ) بِالتَّاءِ فِي (تَكُونَ) ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ (مَيِّتَةٌ) وَرَفْعِهَا، فَجَعَلَ (الْمَيِّتَةَ) اسْمَ (تَكُونَ) ، وَأَنَّثَ (تَكُونَ) لِتَأْنِيثِ (الْمَيِّتَةِ) ، وَجَعَلَ (تَكُونَ) مُكْتَفِيَةً بِالِاسْمِ دُونَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَيِّتَةً) اسْتِثْنَاءٌ، وَالْعَرَبُ تَكْتَفِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَسْمَاءِ عَنِ الْأَفْعَالِ، فَيَقُولُونَ: قَامَ النَّاسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَاكَ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ أَخُوكَ، فَلَا تَأْتِي -[637]- لِيَكُونَ بِفِعْلٍ، وَتَجْعَلَهَا مُسْتَغْنِيَةً بِالِاسْمِ، كَمَا يُقَالُ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا أَخَاكَ وَإِلَّا أَخُوكَ، فَلَا يُعْتَدُّ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ نَفْلًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ} [الأنعام: 145] بِالْيَاءِ {مَيْتَةً} [الأنعام: 139] بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَنَصْبِ الْمَيْتَةِ، لِأَنَّ الَّذِي فِي (يَكُونَ) مِنَ الْمُكَنَّى مِنْ ذِكْرِ الْمُذَكَّرِ، وَإِنَّمَا هُوَ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا. فَأَمَّا قِرَاءَةُ (مَيْتَةٌ) بِالرَّفْعِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَرَبِيَّةِ غَيْرَ خَطَأٍ فَإِنَّهُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُ صَوَابٍ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي قِرَاءَةِ الدَّمِ بِالنَّصْبِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى (الْمَيْتَةِ) . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَيْتَةَ لَوْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً لَكَانَ الدَّمُ وَقَوْلُهُ {أَوْ فِسْقًا} [الأنعام: 145] مَرْفُوعَيْنِ، وَلَكِنَّهَا مَنْصُوبَةٌ فَيُعْطَفُ بِهِمَا عَلَيْهَا بِالنَّصْبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015