الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ، فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) بِنَصْبِ (يَوْمَ) . وَقَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ بِرَفْعِ (يَوْمُ) . فَمَنْ رَفَعَهُ رَفَعَهُ بِهَذَا، وَجَعَلَ (يَوْمُ) اسْمًا، وَإِنْ كَانَتْ إِضَافَتُهُ غَيْرُ مَحْضَةٍ، لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَنْعُوتِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَرَبَ يُعْمِلُونَ فِي إِعْرَابِ الْأَوْقَاتِ مِثْلَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَمَلَهُمْ فِيمَا بَعْدَهَا، إِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا رَفْعًا رَفَعُوهَا، كَقَوْلِهِمْ: هَذَا يَوْمُ يَرْكَبُ الْأَمِيرُ، وَلَيْلَةُ يَصْدُرُ الْحَاجُّ، وَيَوْمُ أَخُوكَ مُنْطَلِقٌ، وَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا نَصْبًا نَصَبُوهَا، وَكَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: هَذَا يَوْمَ خَرَجَ الْجَيْشُ وَسَارَ النَّاسُ، وَلَيْلَةَ قُتِلَ زَيْدٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا فِي الْحَالَيْنِ (إِذْ) ، وَ (إِذَا) . وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذَا هَكَذَا رَفْعًا وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ قِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَذَلِكَ كَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ