ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة: 109] : مَاذَا عَمِلُوا بَعْدَكُمْ، وَمَاذَا أَحْدَثُوا بَعْدَكُمْ؟ قَالُوا: {قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا عِلْمٌ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109] ، أَيْ أَنَّكَ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَا عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ خَفِيِّ الْعُلُومِ وَجَلِيُّهَا. فَإِنَّمَا نَفَى الْقَوْمُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِمَا سُئِلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ لَا يَعْلَمُهُ هُوَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، لَا أَنَّهُمُ نَفَوْا أَنْ يَكُونُوا عَلِمُوا مَا شَاهَدُوا، كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يُخْبِرُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ بِمَا أَجَابَتْهُمْ بِهِ الْأُمَمُ وَأَنَّهُمْ سَيَشْهَدُونَ عَلَى تَبْلِيغِهِمُ الرِّسَالَةَ شُهَدَاءَ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] . وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: مَاذَا عَمِلَتِ الْأُمَمُ بَعْدَكُمْ؟ وَمَاذَا أَحْدَثُوا؟ فَتَأْوِيلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مِنَ الْعِلْمِ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا إِلَّا مَا أَعْلَمَهَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا سُئِلَتْ عَمَّا عَمِلَتِ الْأُمَمُ بَعْدَهَا وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا: مَاذَا عَرَّفْنَاكِ أَنَّهُ كَائِنٌ مِنْهُمْ بَعْدَكِ؟ وَظَاهِرُ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُمْ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.