حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " هِيَ مَنْسُوخَةٌ. يَعْنِي هَذِهِ الْآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106] الْآيَةَ " وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَكْثَرَهِمْ فِيمَا مَضَى -[108]- وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، مِنْ لَدُنْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، أَنَّ مَنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ دَعْوَى مِمَّا يَمْلِكُهُ بَنُو آدَمَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُبَرِّئُهُ مِمَّا ادُّعِيَ عَلَيْهِ إِلَّا الْيَمِينُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ تُصَحِّحُ دَعْوَاهُ، وَأَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ وَفِي يَدَيِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سِلْعَةٌ لَهُ، فَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ دُونَ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ: بَلْ هِيَ لِيَ، اشْتَرَيْتُهَا مِنْ هَذَا الْمُدَّعِي، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ دُونَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَعَ يَمِينِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ بَيِّنَةٌ تُحَقِّقُ بِهِ دَعْوَاهُ الشِّرَاءَ مِنْهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَتِ الْآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِمَا أَمْرَ وَصِيَّةِ الْمُوصِي إِلَى عَدْلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ إِلَى آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ، إِنَّمَا أَلْزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ الْوَصِيَّيْنِ الْيَمِينَ حِينَ ادَّعَى عَلَيْهِمَا الْوَرَثَةُ مَا ادَّعَوْا ثُمَّ لَمْ يُلْزِمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئًا إِذْ حَلَفَا، حَتَّى اعْتَرَفَتِ الْوَرَثَةُ فِي أَيْدِيهِمَا مَا اعْتَرَفُوا مِنَ الْجَامِ أَوِ الْإِبْرِيقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَزَعَمَا أَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ مِنْ مَيِّتِهِمْ، فَحِينَئِذٍ أَلْزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ الْيَمِينَ، لِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ تَحَوَّلَا مُدَّعِيَيْنِ بِدَعْوَاهُمَا مَا وَجَدَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَنَّهُ لَهُمَا اشْتَرَيَا ذَلِكَ مِنْهُ فَصَارَا مُقِرَّيْنِ بِالْمَالِ لِلْمَيِّتِ مُدَّعِيَّيْنِ مِنْهُ الشِّرَاءَ، فَاحْتَاجَا حِينَئِذٍ إِلَى بَيِّنَةٍ تُصَحِّحُ دَعْوَاهُمَا، وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ رَبِّ السِّلْعَةِ أَوْلَى بِالْيَمِينِ مِنْهُمَا، فَذَلِكَ -[109]- قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107] الْآيَةَ. فَإِذْ كَانَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقْضَى عَلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إِلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، إِمَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ، وَلَا يَدْفَعُ صِحَّتَهُ عَقْلٌ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015