وَوَصَلُوا الْوَصَائِلَ، وَحَمَوُا الْحَوَامِيَ، مِثْلُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَأَشْكَالِهِ، مِمَّنْ سَنُّوا لِأَهْلِ الشِّرْكِ السُّنَنَ الرَّدِيئَةَ وَغَيَّرُوا دِينَ اللَّهِ دِينَ الْحَقِّ، وَأَضَافُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ مَا حَرَّمُوا وَأَحَلَّ مَا أَحَلُّوا، افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَاخْتِلَاقًا عَلَيْهِ الْإِفْكَ وَهُمْ يَعْمَهُونَ فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ، وَإِضَافَتِهِمْ إِلَيْهِ مَا أَضَافُوا مِنْ تَحْلِيلِ مَا أَحَلُّوا وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوا، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا جَعَلْتُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ، وَلَكِنَّ الْكُفَّارَ هُمُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ {وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103] هُمْ أَتْبَاعُ مَنْ سَنَّ لَهُمْ هَذِهِ السُّنَنَ مِنْ جَهَلَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَهُمْ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ لَهُمْ سَنُّوا ذَلِكَ فَوَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْقِلُونَ أَنَّ الَّذِينَ سَنُّوا لَهُمْ تِلْكَ السُّنَنَ، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كُذُبَةٌ فِي أَخْبَارِهِمْ أُفُكَةٌ، بَلْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ مُحِقُّونَ فِي أَخْبَارِهِمْ صَادِقُونَ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ الَّذِي حَرَّمَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَأَضَافُوهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذِبٌ وَبَاطِلٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِالَّذِينَ كَفَرُوا: أَهْلُ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّكِيرَ فِي ابْتِدَاءِ الْآيَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَالْخَتْمُ بِهِمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ عَرَضَ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْرِفُ مِنْ أَجْلِهِ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ يَقُولُ قَتَادَةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015