ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، ثنا آدَمَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: " فِي قَوْلِهِ: {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة: 61] قَالَ: يَعْنِي بِهِ مِصْرَ فِرْعَوْنَ " حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة: 61] مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ دُونَ مِصْرَ فِرْعَوْنَ بِعَيْنِهَا، أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ أَرْضَ الشَّامِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَسَاكِنَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَإِنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِالتِّيهِ بِامْتِنَاعِهِمْ عَلَى مُوسَى فِي 4 حَرْبِ الْجَبَابِرَةِ إِذْ قَالَ لَهُمْ: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة: 22] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ -[24]- وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] فَحَرَّمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى قَائِلِ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا دُخُولَهَا حَتَّى هَلَكُوا فِي التِّيهِ وَابْتَلَاهُمْ بِالتَّيَهَانِ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ أَهْبَطَ ذُرَّيَّتَهُمْ الشَّامَ، فَأَسْكَنَهُمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، وَجَعَلَ هَلَاكَ الْجَبَابِرَةِ عَلَى أَيْدِيهِمْ مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ بَعْدَ وَفَاةِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ. فَرَأَيْنَا اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ كَتَبَ لَهُمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ وَلَمْ يُخْبِرْنَا عَنْهُمْ أَنَّهُ رَدَّهُمْ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْهَا، فَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْرَأَ اهْبِطُوا مِصْرًا، وَنَتَأَوَّلَهُ أَنَّهُ رَدَّهُمْ إِلَيْهَا. قَالُوا: فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 57] قِيلَ لَهُمْ: فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَوْرَثَهُمْ ذَلِكَ فَمَلَّكَهُمْ إِيَّاهَا وَلَمْ يَرُدَّهُمْ إِلَيْهَا، وَجَعَلَ مَسَاكِنَهُمُ الشَّأْمَ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة: 61] مِصْرَ، فَإِنَّ مِنْ حُجَّتِهِمُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا الْآيَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 57] وَقَوْلُهُ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: 25] قَالُوا: فَأَخْبَرَ اللَّهُ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ وَرَّثَهُمْ ذَلِكَ وَجَعَلَهَا لَهُمْ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرِثُونَهَا ثُمَّ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا. قَالُوا: وَلَا يَكُونُونَ مُنْتَفِعِينَ بِهَا إِلَّا بِمَصِيرِ بَعْضِهِمْ إِلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إِنْ لَمْ يَصِيرُوا أَوْ يَصِرْ بَعْضُهُمْ إِلَيْهَا. -[25]- قَالُوا: وَأُخْرَى أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: (اهْبِطُوا مِصْرَ) بِغَيْرِ أَلِفٍ، قَالُوا: فَفِي ذَلِكَ الدَّلَالَةُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا مِصْرُ بِعَيْنِهَا. وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى الصَّوَابِ مِنْ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَلَا خَبَرَ بِهِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ مَجِيئُهُ الْعُذْرَ، وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ مُتَنَازِعُونَ تَأْوِيلَهُ. فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعْطِيَ قَوْمَهُ مَا سَأَلُوهُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابِهِ وَهُمْ فِي الْأَرْضِ تَائِهُونَ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِمُوسَى دُعَاءَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَهْبِطَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ قَرَارًا مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي تُنْبِتُ لَهُمْ مَا سَأَلَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ الَّذِي سَأَلُوهُ لَا تُنْبِتُهُ إِلَّا الْقُرَى وَالْأَمْصَارُ وَأَنَّهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ إِذْ صَارُوا إِلَيْهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَرَارُ مِصْرَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الشَّامَ. فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَإِنَّهَا بِالْأَلْفِ وَالتَّنْوِينِ: {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة: 61] وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُهَا لِاجْتِمَاعِ خُطُوطِ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتِّفَاقِ قِرَاءَةِ الْقُرَّاءِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَمْ يَقْرَأْ بِتَرْكِ التَّنْوِينِ فِيهِ وَإِسْقَاطِ الْأَلِفِ مِنْهُ إِلَّا مَنْ لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى الْحُجَّةِ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ مُسْتَفِيضًا بَيْنَهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015