القول في تأويل قوله تعالى: اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وتأويل ذلك: فدعا موسى فاستجبنا له، فقلنا لهم: اهبطوا مصرا. وهو من المحذوف الذي اجتزئ بدلالة ظاهره على ذكر ما حذف وترك منه. وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الهبوط إلى المكان إنما هو النزول إليه

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: فَدَعَا مُوسَى فَاسْتَجَبْنَا لَهُ، فَقُلْنَا لَهُمُ: اهْبِطُوا مِصْرًا. وَهُوَ مِنَ الْمَحْذُوفِ الَّذِي اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ ظَاهِرِهِ عَلَى ذِكْرِ مَا حُذِفَ وَتُرِكَ مِنْهُ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْهُبُوطِ إِلَى الْمَكَانِ إِنَّمَا هُوَ النُّزُولُ إِلَيْهِ وَالْحُلُولُ بِهِ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَخْرُجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة: 61] قَالَ لَهُمْ مُوسَى: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَخَسُّ وَأَرْدَأُ مِنَ الْعَيْشِ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ؟ فَدَعَا لَهُمْ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ دُعَاءَهُ، فَأَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوا، وَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] . ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {مِصْرًا} [البقرة: 61] فَقَرَأَهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ: {مِصْرًا} [البقرة: 61] بِتَنْوِينِ الْمِصْرِ وَإِجْرَائِهِ؛ وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِتَرْكِ التَّنْوِينِ وَحَذْفِ الْأَلْفِ مِنْهُ. فَأَمَّا الَّذِينَ نَوَّنُوهُ وَأَجْرُوهُ، فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ لَا مِصْرًا بِعَيْنِهِ، فَتَأْوِيلُهُ عَلَى قِرَاءَتِهِمُ: اهْبِطُوا مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ، لِأَنَّكُمْ فِي الْبَدْوِ، وَالَّذِي طَلَبْتُمْ لَا يَكُونُ فِي الْبَوَادِي وَالْفَيَافِي، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، فَإِنَّ لَكُمْ إِذَا هَبَطْتُمُوهُ مَا سَأَلْتُمْ مِنَ الْعَيْشِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015