يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] مَا اللَّهُ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ كَمَا تَقُولُونَ , لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَلَيْسَ بِإِلَهٍ , وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ صَاحِبَةٌ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا مَعْبُودًا , وَلَكِنَّ اللَّهَ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ , إِلَهٌ وَاحِدٌ مَعْبُودٌ , لَا وَلَدَ لَهُ , وَلَا وَالِدَ , وَلَا صَاحِبَةَ , وَلَا شَرِيكَ. ثُمَّ نَزَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفْسَهُ وَعَظَّمَهَا وَرَفَعَهَا عَمَّا قَالَ فِيهِ أَعْدَاؤُهُ الْكَفَرَةُ بِهِ , فَقَالَ: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171] يَقُولُ: " عَلَا اللَّهُ وَجَلَّ وَعَزَّ وَتَعَظَّمَ وَتَنَزَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ صَاحِبَةٌ {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ أَنَّ عِيسَى وَأُمَّهُ , وَمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ عَبِيدُهُ , وَمُلْكُهُ , وَخَلْقُهُ , وَأَنَّهُ رَازِقُهُمْ وَخَالِقُهُمْ , وَأَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ إِلَيْهِ , احْتِجَاجًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْمَسِيحَ ابْنُهُ , وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ ابْنَهُ كَمَا قَالُوا لَمْ يَكُنْ ذَا حَاجَةٍ إِلَيْهِ , وَلَا كَانَ لَهُ عَبْدًا مَمْلُوكًا , فَقَالَ: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يَعْنِي: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا , مُلْكًا وَخَلْقًا , وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيَقُوتُهُمْ وَيُدَبِّرُهُمْ , فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَسِيحُ ابْنًا لِلَّهِ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْإِمَاكِنِ. وَقَوْلُهُ {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81] يَقُولُ: " وَحَسْبُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ بِاللَّهِ قَيِّمًا وَمُدَبِّرًا وَرَازِقًا , مِنَ الْحَاجَةِ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ