الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 169] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَفَرُوا بِاللَّهِ بِجُحُودِ ذَلِكَ وَظَلَمُوا بِمَقَامِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ , عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِظُلْمِهِمْ عِبَادَ اللَّهِ , وَحَسَدًا لِلْعَرَبِ , وَبَغْيًا عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137] يَعْنِي: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَعْفُوَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ بِتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُمْ عَلَيْهَا , وَلَكِنَّهُ يِفْضَحُهُمْ بِهَا بِعُقُوبَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا. {وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء: 168] يَقُولُ: " وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِيَهْدِيَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا , الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ , فَيُوَفِّقَهُمْ لِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي يَنَالُونَ بِهَا ثَوَابَ اللَّهِ , وَيَصِلُونَ بِلُزُومِهِمْ إِيَّاهُ إِلَى الْجَنَّةِ , وَلَكِنَّهُ يَخْذُلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ , حَتَّى يَسْلُكُوا طَرِيقَ جَهَنَّمَ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِذِكْرِ الطَّرِيقِ عَنِ الدِّينِ؛ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُوَفِّقَهُمْ لِلْإِسْلَامِ , وَلَكِنَّهُ يَخْذُلُهُمْ عَنْهُ إِلَى طَرِيقِ جَهَنَّمَ , وَهُوَ الْكُفْرُ , يَعْنِي: حَتَّى يَكْفُرُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَيَدْخُلُوا جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا يَقُولُ: