ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ , مُبَيِّنًا لَهُمْ حُكْمَ مَنْ قَدْ هَدَاهُ لِدِينِهِ مِنْهُمْ وَوَفَّقَهُ لِرُشْدِهِ: مَا كُلُّ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَتُهُمُ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفْتُ لَكُمْ {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} [النساء: 162] وَهُمُ الَّذِينَ قَدْ رَسَخُوا فِي الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا أَنْبِيَاؤُهُ , وَأَتْقَنُوا ذَلِكَ , وَعَرَفُوا حَقِيقَتَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. {وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285] يَعْنِي: وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ , وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ , وَبِالْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ , وَلَا يَسْأَلُونَكَ كَمَا سَأَلَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنْهُمْ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ , لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِمَا قَرَءُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَأَتَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ , أَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُكَ , لَا يَسَعُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ , فَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوكَ آيَةً مُعْجِزَةً , وَلَا دَلَالَةَ غَيْرُ الَّذِي قَدْ عَلِمُوا مِنْ أَمْرِكَ بِالْعِلْمِ الرَّاسِخِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَخْبَارِ أَنْبِيَائِهِمْ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ وَبِمَا أَعْطَيْتُكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى نُبُوَّتِكَ , فَهُمْ لِذَلِكَ مِنْ عِلْمِهِمْ وَرُسُوخِهِمْ فِيهِ {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة: 4] مِنَ الْكِتَابِ {وَبِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ. كَمَا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015