ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ , قَالَ: ثنا حَمَّادٌ , عَنْ حُمَيْدٍ , قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: " لَا يَمُوتُ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ وَالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ , لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَكَمَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الْمُوَارَثَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِلْحَاقِ صِغَارِ أَوْلَادِهِ بِحُكْمِهِ فِي الْمِلَّةِ , فَلَوْ كَانَ كُلُّ كِتَابِيٍّ يُؤْمِنُ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِهِ , لَوَجَبَ أَنْ لَا يَرِثَ الْكِتَابِيُّ إِذَا مَاتَ عَلَى مِلَّتِهِ إِلَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ أَوِ الْبَالِغُونَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ , إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ أَوْ بَالِغٌ مُسْلِمٌ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ وَلَا بَالِغٌ مُسْلِمٌ , كَانَ مِيرَاثُهُ مَصْرُوفًا حَيْثُ يُصْرَفُ مَالُ الْمُسْلِمِ , يَمُوتُ وَلَا وَارِثَ لَهُ , وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ -[673]- وَغُسْلِهِ وَتَقْبِيرِهِ , لِأَنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى فَقَدْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِمُحَمَّدٍ وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ جَاءَ بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ وَجَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ , فَالْمُصَدِّقُ بِعِيسَى وَالْمُؤْمِنُ بِهِ مُصَدِّقٌ بِمُحَمَّدٍ وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ , كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ مُؤْمِنٌ بِعِيسَى وَبِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ , فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى مَنْ كَانَ بِمُحَمَّدٍ مُكَذِّبًا. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ مَعْنَى إِيمَانِ الْيَهُودِيِّ بِعِيسَى , الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] إِنَّمَا هُوَ إِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لِلَّهِ نَبِيُّ مَبْعُوثٌ دُونَ تَصْدِيقِهِ بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ , فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً. وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إِلَى الْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ مَنْ كَانَ لَهُ مُكَذِّبًا فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ , بَلْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إِلَّا الْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ جَاءَتِ الْأُمَمَ بِتَصْدِيقِ جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ؛ فَالْمُكَذِّبُ بَعْضَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ أُمَّتَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُكَذِّبٌ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ فِيمَا دَعَوْا إِلَيْهِ مِنْ دِينِ عِبَادِ اللَّهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ فِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ كُلَّ كِتَابِيٍّ مَاتَ قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ , مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَيَّامَ حَيَاتِهِ , غَيْرُ مَنْقُولٍ شَيْءٌ -[674]- مِنْ أَحْكَامِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ بِمَوْتِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ , أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى , وَأَنَّ ذَلِكَ فِي خَاصٍّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَمَعْنِيُّ بِهِ أَهْلُ زَمَانٍ مِنْهُمْ دُونَ أَهْلِ كُلِّ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ عِيسَى , وَأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ عِنْدَ نُزُولِهِ. كالَّذِي: