وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذِكْرِ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ وَكَيْفَ كَانَ أَمرُهُمْ وَأَمْرُهُ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. وَقَوْلُهُ: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [البقرة: 213] يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوا الْبَيِّنَاتِ مِنَ اللَّهِ , وَالدَّلَالَاتُ الْوَاضِحَاتُ بِأَنَّهُمْ لَنْ يَرَوُا اللَّهَ عِيَانًا جِهَارًا. وَإِنَّمَا عَنَى بِالْبَيِّنَاتِ: أَنَّهَا آيَاتٌ تُبَيِّنُ عَنْ أَنَّهُمْ لَنْ يَرَوُا اللَّهَ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا جَهْرَةً , وَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ لَهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , إِصْعَاقَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمُ رَبَّهُ جَهْرَةً , ثُمَّ إِحْيَاءَهُ إِيَّاهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ مَعَ سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي أَرَاهُمُ اللَّهُ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ. يَقُولُ اللَّهُ مُقَبِّحًا إِلَيْهِمْ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ وَمُوَضِّحًا لِعِبَادِهِ جَهْلَهُمْ وَنَقْصَ عُقُولِهِمْ وَأَحْلَامِهِمْ: ثُمَّ أَقَرُّوا لِلْعِجْلِ بِأَنَّهُ لَهُمْ إِلَهٌ , وَهُمْ يَرَوْنَهُ عِيَانًا وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ جِهَارًا , بَعْدَ مَا أَرَاهُمْ رَبُّهُمْ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَا أَرَاهُمْ , أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ جَهْرَةً وَعِيَانًا فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا , فَعَكَفُوا عَلَى عِبَادَتِهِ مُصَدِّقِينَ بِأُلُوهَتِهِ. وَقَوْلُهُ: {فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ} [النساء: 153] يَقُولُ: " فَعَفَوْنَا لِعَبَدَةِ الْعِجْلِ عَنْ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ , وِلِلْمُصَدِّقِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ إِلَهُهُمْ , بَعْدَ الَّذِي أَرَاهُمُ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا أَرَاهُمْ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ بِذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي تَابُوهَا إِلَى رَبِّهِمْ بِقَتْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَصَبْرِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِمْ. {وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 153] يَقُولُ: " وَآتَيْنَا مُوسَى حُجَّةً تُبَيِّنُ عَنْ صِدْقِهِ وَحَقِيَّةِ نُبُوَّتِهِ , وَتِلْكَ الْحُجَّةُ هِيَ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ الَّتِي آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا