وَحُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ , عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ , قَالَ: سَمِعْتُ زَاذَانَ , يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَيُنَادِي مُنَادٍ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ: هَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ , مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إِلَى حَقِّهِ. فتَفْرَحُ الْمَرْأَةُ أَنْ يَذُوبَ لَهَا الْحَقُّ عَلَى أَبِيهَا , أَوْ عَلَى ابْنِهَا , أَوْ عَلَى أَخِيهَا , أَوْ عَلَى زَوْجِهَا , ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] فَيَغْفِرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ حَقِّهِ مَا شَاءَ , وَلَا يَغْفِرُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ شَيْئًا , فَيَنْصِبُ لِلنَّاسِ فَيَقُولُ: آتُوا إِلَى النَّاسِ حُقُوقَهُمْ. فَيَقُولُ: رَبِّ فَنِيَتِ الدُّنْيَا مِنْ أَيْنَ أُوتِيهِمْ حُقُوقَهُمْ؟ فَيَقُولُ: خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ , فَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ , فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ , فَفَضَلَ لَهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ضَاعَفَهَا لَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ بِهَا الْجَنَّةَ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا: {-[34]- إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا قَالَ الْمَلَكُ: رَبِّ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ , وَبَقِيَ طَالِبُونَ كَثِيرٌ. فَيَقُولُ: خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ , فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاتِهِ , ثُمَّ صُكُّوا لَهُ صَكًّا إِلَى النَّارِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى تَأْوِيلِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ عَبْدًا وَجَبَ لَهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ قَبْلَ عَبْدٍ لَهُ آخَرَ فِي مَعَادِهِ وَيَوْمَ لِقَائِهِ فَمَا فَوْقَهُ فَيَتْرُكُهُ عَلَيْهِ فَلَا يَأْخُذُهُ لِلْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ , وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ لَهُ , وَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ لِكُلِّ مَظْلُومِ تَبِعْتَهُ قَبْلَهُ. {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40] يَقُولُ: " وَإِنْ تُوجَدْ لَهُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا , بِمَعْنَى: يُضَاعَفُ لَهُ ثَوَابَهَا وَأَجْرَهَا. {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] يَقُولُ: " وَيُعْطِهِ مِنْ عِنْدِهِ أَجْرًا عَظِيمًا. وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ: الْجَنَّةُ عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَلِكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ , أَعْنِي التَّأْوِيلَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ لِمُوَافَقَتِهِ الْآثَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ دَلَالَةِ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ عَلَى صِحَّتِهِ , إِذْ كَانَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا , الَّتِي حَثَّ اللَّهُ فِيهَا عَلَى النَّفَقَةِ فِي طَاعَتِهِ , وَذَمَّ النَّفَقَةَ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ , ثُمَّ وَصَلَ ذَلِكَ بِمَا وَعَدَ الْمُنَافِقِينَ فِي طَاعَتِهِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً -[35]- يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً} [النساء: 40] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً} [النساء: 40] بِنَصْبِ الْحَسَنَةِ , بِمَعْنَى: وَإِنْ تَكُ زِنَةُ الذَّرَّةِ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ) بِرَفْعِ الْحَسَنَةِ , بِمَعْنَى: وَإِنْ تُوجَدْ حَسَنَةً عَلَى مَا ذَكَرْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40] فَإِنَّهُ جَاءَ بِالْأَلِفِ , وَلَمْ يَقُلْ: يُضَعِّفْهَا؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: يُضَاعِفْهَا أَضْعَافًا كَثِيرَةً؛ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ فِي قَوْلِهِ يُضَعِّفُ ذَلِكَ ضِعْفَيْنِ لَقِيلَ: يُضَعِّفْهَا بِالتَّشْدِيدِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا وَعَدَهُمْ فِيهَا , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا: