حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا -[336]- أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَحُطُّ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: 200] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَطَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ مَعَانِي الصَّبْرِ عَلَى الدِّينِ وَالطَّاعَةِ شَيْئًا فَيَجُوزُ إِخْرَاجُهُ مِنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ. فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: {اصْبِرُوا} [آل عمران: 200] الْأَمْرَ بِالصَّبِرِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِي طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، صَعْبِهَا وَشَدِيدِهَا، وَسَهْلِهَا وَخَفَيفِهَا {وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200] يَعْنِي: وَصَابِرُوا أَعْدَاءَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي الْمُفَاعَلَةِ، أَنْ تَكُونَ مِنْ فَرِيقَيْنِ، أَوِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَلَا تَكُونَ مِنْ وَاحِدٍ إِلَّا قَلِيلًا فِي أَحْرُفٍ -[337]- مَعْدُودَةٍ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُصَابِرُوا غَيْرَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، حَتَّى يُظَفِّرَهُمُ اللَّهُ بِهِمْ، وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ، وَيُخْزِي أَعْدَاءَهُمْ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَدُوُّهُمْ أَصْبَرَ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] مَعْنَاهُ: وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَعْدَاءَ دِينِكُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَرَى أَنَّ أَصْلَ الرِّبَاطِ: ارْتِبَاطُ الْخَيْلِ لِلْعَدُوِّ، كَمَا ارْتَبَطَ عَدُوُّهُمْ لَهُمْ خَيْلَهُمْ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُقِيمٍ فِي ثَغْرٍ، يَدْفَعُ عَمَّنْ وَرَاءَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ بِسُوءٍ، وَيَحْمِي عَنْهُمْ مِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنَهُمْ، مِمَّنْ بَغَاهُمْ بِشَرٍّ كَانَ ذَا خَيْلٍ قَدِ ارْتَبَطَهَا، أَوْ ذَا رَجْلَةٍ لَا مَرْكَبَ لَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَعْنَى {وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَعْدَاءَ دِينِكُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعَانِي الرِّبَاطِ، وَإِنَّمَا تَوَجَّهُ الْكَلَامُ إِلَى الْأَغْلَبِ الْمَعْرُوفِ فِي اسْتِعْمَالِ النَّاسِ مِنْ مَعَانِيهِ دُونَ الْخَفِيِّ، حَتَّى يَأْتِيَ بِخِلَافِ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ صَرَفَهُ إِلَى الْخَفِيِّ مِنْ مَعَانِيهِ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ خَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015