القول في تأويل قوله تعالى: ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد إن قال لنا قائل: وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربهم أن يؤتيهم ما وعدهم، وقد علموا أن الله منجز وعده، وغير جائز أن يكون منه إخلاف موعد؟ قيل: اختلف في ذلك

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رِسْلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 194] إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ مَسْأَلَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ رَبَّهُمْ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِخْلَافُ مَوْعِدٍ؟ قِيلَ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْبَحْثِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ قَوْلٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَسْأَلَةِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، قَالُوا: وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا، رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا، وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، لِتُؤْتِيَنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رِسْلِكَ، وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالُوا: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ تَوَفَّيْتَنَا مَعَ الْأَبْرَارِ فَانْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا، لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَأَنَّ مَا وَعَدَ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ لَيْسَ يُعْطِيهِ بِالدُّعَاءِ، وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ بِإِيتَائِهِ، ثُمَّ يُنْجِزُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ قَائِلِهِ عَلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَالدُّعَاءِ لِلَّهِ، بِأَنْ يَجْعَلَهُمْ مِمَّنْ آتَاهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ، لَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اسْتَحَقُّوا مَنْزِلَةَ الْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ فِي أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَسْأَلَةً لِرَبِّهِمْ أَنْ لَا يُخْلِفَ وَعْدَهُ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَ الْأَبْرَارَ، لَكَانُوا قَدْ زَكُّوا أَنْفُسَهُمْ، وَشَهِدُوا لَهَا أَنَّهَا مِمَّنْ قَدِ اسْتَوْجَبَ كَرَامَةَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ، قَالُوا: وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَةَ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015