وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا -[289]- جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] قَالَ: «كَزَادِ الرَّاعِي، تُزَوِّدُهُ الْكَفَّ مِنَ التَّمْرِ، أَوِ الشَّيْءَ مِنَ الدَّقِيقِ، أَوِ الشَّيْءَ يَشْرَبُ عَلَيْهِ اللَّبَنَ» فَكَأَنَّ ابْنَ سَابِطٍ ذَهَبَ فِي تَأْوِيلِهِ هَذَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعٌ قَلِيلٌ، لَا يُبَلِّغُ مَنْ تَمَتُّعُهُ وَلَا يَكْفِيهِ لِسَفَرِهِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ هُوَ مَا قُلْنَا، لِأَنَّ الْغُرُورَ إِنَّمَا هُوَ الْخِدَاعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِصَرْفِهِ إِلَى مَعْنَى الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ قَلِيلًا وَصَاحِبُهُ مِنْهُ فِي غَيْرِ خِدَاعٍ وَلَا غُرُورٍ؛ وَأَمَّا الَّذِي هُوَ فِي غُرُورٍ فَلَا الْقَلِيلُ يَصِحُّ لَهُ وَلَا الْكَثِيرُ مِمَّا هُوَ مِنْهُ فِي غُرُورٍ. وَالْغُرُورُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: غَرَّنِي فُلَانٌ، فَهُوَ يَغُرُّنِي غُرُورًا بِضَمِّ الْغَيْنِ؛ وَأَمَّا إِذَا فُتِحَتُ الْغَيْنُ مِنَ الْغُرُورِ فَهُوَ صِفَةٌ لِلشَّيْطَانِ الْغَرُورِ الَّذِي يَغُرُّ ابْنَ آدَمَ حَتَّى يُدْخِلَهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فِيمَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ عُقُوبَتَهُ