تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) يقول: وسخر لكم السفن تجري في البحر بأمره، يعني بقُدرته، وتذليله إياها لكم كذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَالْفُلْكَ تَجْرِي) فقرأته عامة قرّاء الأمصار: (والفُلْكَ) نصبا، بمعنى سخر لكم ما في الأرض، والفلك عطفا على "ما"، وعلى تكرير "أن" وأن الفلك تجري. ورُوي عن الأعرج أنه قرا ذلك رفعا على الابتداء والنصب هو القراءة عندنا في ذلك لإجماع الحجة من القرّاء عليه (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ) يقول: ويمسك السماء بقدرته كي لا تقع على الأرض إلا بإذنه. ومعنى قوله: (أَنْ تَقَعَ) أن لا تقع.
(إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) بمعنى: أنه بهم لذو رأفة ورحمة، فمن رأفته بهم ورحمته لهم أمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وسخر لكم ما وصف في هذه الآية تفضلا منه عليكم بذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ (66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) }
يقول تعالى ذكره: والله الذي أنعم عليكم هذه النعم، هو الذي جعل لكم أجساما أحياء بحياة أحدثها فيكم، ولم تكونوا شيئا، ثم هو يميتكم من بعد حياتكم فيفنيكم عند مجيء آجالكم، ثم يحييكم بعد مماتكم عند بعثكم لقيام الساعة (إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ) يقول: إن ابن آدم لجحود لنعم الله التي أنعم بها عليه من حُسن خلقه إياه، وتسخيره له ما سخر مما في الأرض والبرّ والبحر، وتركه إهلاكه بإمساكه السماء أن تقع على الأرض بعبادته غيره من الآلهة والأنداد، وتركه إفراده بالعبادة وإخلاص التوحيد له.
وقوله: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا) يقول: لكل جماعة قوم هي خلت من