{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه ... } [العنكبوت: 16] وقلنا: العبادة أنْ يطيع العابدُ المعبودَ في أوامره ونواهيه، إذن: لو جاء مَنْ يدَّعي الألوهية، وليس له أمر نؤديه، أو نهي نمتنع عنه فلا يصلح إلهاً.
لذلك كذب الذين قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى ... } [الزمر: 3] لأنهم ما عبدوا الأصنام إلا لأنها ليست لها أوامر ولا نواه، فألوهيتهم (منظرية) بلا تكليف، فأول الأدلة على بطلان عبادة هذه الآلهة المدَّعاة أنها آلهة بلا منهج.
ثم عطف الأمر {واتقوه ... } [العنكبوت: 16] على {اعبدوا ... } [العنكبوت: 16] والتقوى من معانيها أنْ تطيع الأوامر، وتجتنب النواهي، فهي مرادفة للعبادة، لكن إنْ عطفت على العبادة فتعني: نفِّذوا الأمر لتتقوا غضب الله، اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال وقاية.
وسبق أنْ قلنا: إن لله تعالى صفات جلال: كالقهار، الجبار، المنتقم، المذلّ. . إلخ. وصفات جمال: كالغفار، الرحمن، الرحيم، التواب، وبالتقوى تنال متعلقات صفات الجمال، وتمنع نفسك وتحميها من متعلقات صفات الجلال.
وقوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 16] ذلكم، أي ما تقدَّم من الأمر بالعبادة والتقوى خير لكم، فإنْ لم تعلموا هذه القضية فلا خيرَ في علمكم، كما قال تعالى: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا ... } [الروم: 6 - 7] .
فالعلم الحقيقي هو العلم بقضايا الآخرة، العلم بالأحكام وبالمنهج الذي يعطيك الخير الحقيقي طويل الأمد على خلاف علم الدنيا فإنْ نلتَ منه خيراً، فهو خير موقوت بعمرك فيها.