قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} أَي: رأى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نزلة أُخْرَى أَي: مرّة أُخْرَى. فَإِن قيل: قد كَانَ رَآهُ كثيرا، فَمَا معنى نزلة أُخْرَى؟ وَالْجَوَاب: أَنه لم ير جِبْرِيل فِي [صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا] إِلَّا مرَّتَيْنِ: مرّة بالأفق الْأَعْلَى، وَكَانَ ذَلِك عِنْد ابْتِدَاء الْوَحْي، وَقَالَ أهل الْمعَانِي: كَانَ ذَلِك شبه آيَة أَرَاهَا النَّبِي ليعلم أَنه من الله. والمرة الثَّانِيَة رَآهُ عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى لَيْلَة الْمِعْرَاج كَمَا قَالَ: {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى} والسدرة شَجَرَة النبق. وَفِي التَّفْسِير: أَنَّهَا فِي السَّمَاء السَّابِعَة، وَيُقَال: فِي السَّادِسَة. وَعَن عِكْرِمَة: هِيَ على يَمِين الْعَرْش.
وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " رفعت لي سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا نبقها كقلال هجر، وأوراقها كآذان الفيلة، يخرج من أَصْلهَا أَرْبَعَة أَنهَار: نهران ظاهران، ونهران باطنان ". على مَا بَينا.
وَاخْتلف القَوْل فِي معنى الْمُنْتَهى، قَالَ بَعضهم: يَنْتَهِي إِلَيْهَا علم الْمَلَائِكَة، وَلَا يعلمُونَ مَا وَرَاء ذَلِك، وَهُوَ القَوْل الْمَعْرُوف.