{يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم وَلَكِن ليبلو بَعْضكُم بِبَعْض وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله فَلَنْ يضل}
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْآيَة ناسخة لقَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} ذكره الضَّحَّاك، وَلَا يجوز فِي الْأسر الْقَتْل. وَالْأول أولى الْأَقَاوِيل؛ لِأَنَّهُ قد ثَبت بروايات كَثِيرَة " أَن النَّبِي فَادى كثيرا من الْأُسَارَى، وَمن على كثير من الْأُسَارَى " على مَا ذكر فِي الْكتب الصَّحِيحَة.
وَقَوله: {حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا} قَالَ قَتَادَة: حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا مُسلم أَو مسالم وَقَالَ سعيد بن جُبَير: حَتَّى ينزل عِيسَى [ابْن مَرْيَم] من السَّمَاء، وَيكسر الصَّلِيب، وَيسلم كل كَافِر. وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: " لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي يُقَاتلُون على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة ". وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: " حَتَّى يكون آخر من يُقَاتلُون الدَّجَّال ". وَفِي الْجُمْلَة لَا تضع الْحَرْب أَوزَارهَا مَا بَقِي فِي الْعَالم كَافِر حَرْبِيّ.
قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم} أَي: فانتصر مِنْهُم بجند من الْمَلَائِكَة، أَو بِأَيّ جند أَرَادَ، والانتصار هَاهُنَا هُوَ الانتقام، وَمَعْنَاهُ: أَنه لَو يَشَاء لم يَأْمُركُمْ بِقِتَال الْكفَّار، وانتقم بِنَفسِهِ مِنْهُم {وَلَكِن ليبلو بَعْضكُم بِبَعْض} أَي: ليبلو الْمُسلمين بالكافرين، والكافرين بِالْمُسْلِمين، مرّة تكون النُّصْرَة للْمُؤْمِنين، وَمرَّة تكون النُّصْرَة للْكَافِرِينَ مثل مَا كَانَ ببدر وَأحد، وَهُوَ تبلية الله كَيفَ يَشَاء لمن يَشَاء.
وَقَوله: {وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله} أَي: الشُّهَدَاء.