تفسير السمعاني (صفحة 5192)

13

قَوْله تَعَالَى: {يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب} أَي: الْمَسَاجِد، وَيُقَال: الْأَبْنِيَة المرتفعة. وَفِي الْقِصَّة: أَنه أَمرهم بِبِنَاء الْحُصُون بالصخر، فبنوا بِالْيمن حصونا كَثِيرَة عَجِيبَة، وَهِي صرواح ومرواح وفلتون وهندة وهنيدة وغمدان وَغير ذَلِك.

وَقَوله: {وتماثيل} أَي: الصُّور. فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ أَن عمل الصُّور مَكْرُوه؟ قُلْنَا: هُوَ فِي هَذِه الشَّرِيعَة، وَيحْتَمل أَنَّهَا كَانَت مُبَاحَة فِي شَرِيعَته، وَقد كَانَ عِيسَى يصور من الطين وينفخ فِيهِ فَيَجْعَلهُ الله طيرا. وَاخْتلف القَوْل فِي الصُّور الَّتِي اتخذتها الشَّيَاطِين؛ فأحد الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهَا صُورَة السبَاع والطيور من العقبان والنسور، وَمَا أشبه ذَلِك.

وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه أَمرهم باتخاذ صُورَة الْأَنْبِيَاء والزهاد والعباد، حَتَّى إِذا نظرت بَنو إِسْرَائِيل إِلَيْهِم ازدادوا عبَادَة.

وَقَوله: {وجفان كالجواب} أَي: كالحياض، والجفان جمع جَفْنَة. وَفِي الْقِصَّة: أَن كل جَفْنَة كَانَ يقْعد عَلَيْهَا ألف إِنْسَان. وَأنْشد حسان فِي الْجَفْنَة شعرًا:

(لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا من نجدة تقطر الدما)

وأنشدوا فِي الْجَابِيَة:

(كجابية الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ تفهق)

أَي: تمتلئ.

وَحكى عُثْمَان بن عَطاء عَن أَبِيه أَنه رأى مرّة من هَذِه القصاع الصغار فَقَالَ: وَالله لقد ذهبت الْبركَة من كل شَيْء، وَقَرَأَ قَوْله: {وجفان كالجواب} .

وَفِي الْقِصَّة: أَنه كَانَ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سماط يسع أَرْبَعمِائَة ألف إِنْسَان،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015