قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} فَإِن قيل: كَيفَ يجوز اجْتِمَاع الْإِيمَان مَعَ الشّرك فِي الْوَاحِد؟ الْجَواب من وُجُوه: أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه} أَي: وَمَا يقر أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون بقلوبهم وضمائرهم.
وَالثَّانِي: أَن مُشْركي مَكَّة كَانُوا إِذا قيل لَهُم: من خَلقكُم؟ قَالُوا: الله، وَإِذا قيل لَهُم: من يرزقكم؟ قَالُوا: الله، وَإِذا قيل لَهُم: من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ قَالُوا: الله ثمَّ مَعَ ذَلِك يعْبدُونَ الْأَصْنَام، وَبَعْضهمْ يَقُولُونَ: إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله، وَبَعْضهمْ يَقُول: الْأَصْنَام شفعاؤنا عِنْد الله، فَالْقَوْل الأول: هُوَ الْإِيمَان، [وَلَيْسَ] المُرَاد من الْإِيمَان هُوَ حَقِيقَة الْإِيمَان الَّذِي يصير بِهِ الْإِنْسَان مُؤمنا، وَإِنَّمَا المُرَاد مَا بَينا.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن معنى شركهم هُوَ شركهم فِي التَّلْبِيَة، فَإِنَّهُم كَانُوا يَقُولُونَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، لَا شريك لَك إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك.