والنصرة لمحمد -صلى الله عليه وسلم-. فمن ادعى أنه من أتباعهم، فهذا دينهم الذي أخذه الله عليهم، وأقروا به واعترفوا.
فمن تولى عن اتباع محمد، ممن يزعم أنه من أتباعهم، فإنه فاسق خارج عن طاعة الله، مكذب للرسول الذي يزعم أنه من أتباعه، مخالف لطريقه.
وفي هذا إقامة الحجة والبرهان، على كل من لم يؤمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- من أهل الكتب والأديان، وأنه لا يمكنهم الإيمان برسلهم، الذين يزعمون أنهم أتباعهم، حتى يؤمنوا بإمامهم وخاتمهم صلى الله عليه وسلم.
{83-85} {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} قد تقدم في سورة البقرة أن هذه الأصول التي هي أصول الإيمان التي أمر الله بها هذه الأمة قد اتفقت عليها الكتب والرسل، وأنها هي الفرض الموجه لكل أحد، وأنها هي الدين والإسلام الحقيقي، وأن من ابتغى غيرها، فعمله مردود، وليس له دين يعول عليه.
فمن زهد عنه، ورغب عنه، فأين يذهب إلى عبادة الأشجار والأحجار والنيران؟ أو إلى اتخاذ الأحبار والرهبان والصلبان، أو إلى التعطيل لرب العالمين؟، أو إلى الأديان الباطلة، التي هي من وحي الشياطين؟ وهؤلاء كلهم- في الآخرة- من الخاسرين.
{86-91} {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} يعني: أنه يبعد كل البعد، أن يهدي الله قوما عرفوا الإيمان، ودخلوا فيه، وشهدوا أن الرسول حق، ثم ارتدوا على أعقابهم، ناكصين ناكثين؛ لأنهم عرفوا الحق فرفضوه.
ولأن من هذه الحالة وصفه، فإن الله يعاقبه بالانتكاس، وانقلاب القلب جزاء له، إذ عرف الحق فتركه، والباطل فآثره، فولاه الله ما تولى لنفسه.
فهؤلاء {عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} خالدين في اللعنة والعذاب {لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} إذا جاءهم أمر الله لأن الله عمرهم ما يتذكر فيه من تذكر، وجاءهم النذير.
ثم إنه تعالى استثنى من هذا الوعيد، التائبين من كفرهم وذنوبهم، المصلحين لعيوبهم، فإن الله يغفر لهم ما قدموه، ويعفو عنهم ما أسلفوه.
{91} ولكن من كفر وأصر على كفره، ولم يزدد إلا كفرا حتى مات على كفره، فهؤلاء هم الضالون عن طريق الهدى، السالكون لطريق الشقاء، وقد استحقوا بهذا العذاب الأليم، فليس لهم ناصر من عذاب الله، ولو بذلوا ملء الأرض ذهبا ليفتدوا به، لم ينفعهم شيئا، فعياذا بالله من الكفر وفروعه.
{92} {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} يعني: لن تنالوا وتدركوا البر، الذي هو اسم جامع للخيرات، وهو الطريق الموصل إلى الجنة، حتى تنفقوا مما تحبون، من أطيب أموالكم وأزكاها.
فإن النفقة من الطيب المحبوب للنفوس، من أكبر الأدلة على سماحة النفس، واتصافها بمكارم الأخلاق، ورحمتها ورقتها.
ومن أدل الدلائل على محبة الله، وتقديم محبته على محبة الأموال، التي جبلت النفوس على قوة التعلق بها، فمن آثر محبة الله على محبة نفسه، فقد بلغ الذروة العليا من الكمال، وكذلك من أنفق الطيبات، وأحسن إلى عباد الله، أحسن الله إليه ووفقه أعمالا وأخلاقا، لا تحصل بدون هذه الحالة.
وأيضا فمن قام بهذه النفقة على هذا الوجه، كان قيامه ببقية الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، من طريق الأولى والأحرى، ومع أن النفقة من الطيبات، هي أكمل الحالات، فمهما أنفق العبد من نفقه قليلة أو أكثر من طيب أو غيره، فإن الله به عليم.
وسيجزي كل منفق، بحسب عمله، سيجزيه في الدنيا بالخلف العاجل، وفي الآخرة بالنعيم الآجل.
{93-94} {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} من جملة الأمور التي قدح فيها اليهود بنبوة عيسى ومحمد -صلى الله عليه وسلم-، أنهم زعموا أن النسخ باطل، وأنه لا يمكن أن يأتي نبي يخالف النبي الذي قبله.
فكذبهم الله بأمر يعرفونه، فإنهم يعترفون بأن جميع الطعام- قبل نزول التوراة- كان حلالا لبني إسرائيل، إلا أشياء يسيرة حرمها إسرائيل، وهو: يعقوب عليه السلام- على نفسه ومنعها إياه لمرض أصابه.
ثم إن التوراة، فيها من التحريمات التي نسخت، ما كان حلا قبل ذلك شيء كثير.
قل لهم- إن أنكروا ذلك-: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ ك، ُنْتُمْ صَادِقِينَ} بزعمكم أنه لا نسخ ولا تحليل ولا تحر، يم.،
وهذا من أبلغ الحجج، أن يحتج على الإنسان بأمر يقوله ويعترف به ولا ينكره، فإن انقاد للحق، فهو الواجب، وإن أبى ولم ينقد بعد هذا البيان، تبين كذبه وافتراؤه، وظلمه وبطلان ما هو عليه، وهو الواقع من اليهود.
{95} {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي: قل صدق الله في كل ما قاله، ومن أصدق من الله قيلا وحديثًا، وقد بين في هذه الآيات، من الأدلة على صحة رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبراهين دعوته، وبطلان ما عليه المنحرفون من أهل الكتاب، الذين كذبوا رسوله، وردوا دعوته، فقد صدق الله في ذلك، وأقنع عباده على ذلك، ببراهين وحجج، تتصدع لها الجبال، وتخضع لها الرجال.