{18 - 27} {كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} .
لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة وأضيقها، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها وأوسعها، وأفسحها وأن كتابهم المرقوم {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} من الملائكة الكرام، وأرواح الأنبياء، والصديقين والشهداء، وينوه الله بذكرهم في الملأ الأعلى، و {عليون} اسم لأعلى الجنة، فلما ذكر كتابهم، ذكر أنهم في نعيم، وهو اسم جامع لنعيم القلب والروح والبدن، {عَلَى الأرَائِكِ} أي: [على] السرر المزينة بالفرش الحسان.
{يَنْظُرُونَ} إلى ما أعد الله لهم من النعيم، وينظرون إلى وجه ربهم الكريم، {تَعْرِفُ} أيها الناظر إليهم {فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} أي: بهاء النعيم (?) ونضارته ورونقه، فإن توالي اللذة والسرور (?) يكسب الوجه نورًا وحسنًا وبهجة.
{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ} وهو من أطيب ما يكون من الأشربة وألذها، {مَخْتُومٍ}
ذلك الشراب {خِتَامُهُ مِسْكٌ} يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شيء ينقص لذته، أو يفسد طعمه، وذلك الختام، الذي ختم به، مسك.
ويحتمل أن المراد أنه [الذي] يكون في آخر الإناء، الذي يشربون منه الرحيق حثالة، وهي المسك الأذفر، فهذا الكدر منه، الذي جرت العادة في الدنيا أنه يراق، يكون في الجنة بهذه المثابة، {وَفِي ذَلِكَ} النعيم المقيم، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله، {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} أي: يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.