{1 - 28} {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} .
إلى آخر السورة لم يذكر الله في هذه السورة سوى قصة نوح وحدها لطول لبثه في قومه، وتكرار دعوته إلى التوحيد، ونهيه عن الشرك، فأخبر تعالى أنه أرسله (?) إلى قومه، رحمة بهم، وإنذارا لهم من عذاب الله الأليم، خوفا من استمرارهم على كفرهم، فيهلكهم الله هلاكا أبديا، ويعذبهم عذابا سرمديا، فامتثل نوح عليه السلام لذلك، وابتدر لأمر الله، فقال: {يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: واضح النذارة بينها، وذلك لتوضيحه ما أنذر به وما أنذر عنه، وبأي: شيء تحصل النجاة، بين جميع ذلك بيانا شافيا، فأخبرهم وأمرهم بزبدة ما يأمرهم به (?) فقال: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} وذلك بإفراده تعالى بالتوحيد والعبادة، والبعد عن الشرك وطرقه ووسائله، فإنهم إذا اتقوا الله غفر ذنوبهم، وإذا غفر ذنوبهم حصل لهم النجاة من العذاب، والفوز بالثواب، {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: يمتعكم في هذه الدار، ويدفع عنكم الهلاك إلى أجل مسمى أي: مقدر [البقاء في الدنيا] بقضاء الله وقدره [إلى وقت محدود] ، وليس المتاع أبدا، فإن الموت لا بد منه، ولهذا قال: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} لما كفرتم بالله، وعاندتم الحق، فلم يجيبوا لدعوته، ولا انقادوا لأمره، فقال شاكيا لربه: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا} أي: نفورا عن الحق وإعراضا، فلم يبق لذلك فائدة، لأن فائدة الدعوة أن يحصل جميع المقصود أو بعضه.
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} أي: لأجل أن يستجيبوا فإذا استجابوا غفرت لهم فكان هذا محض مصلحتهم، ولكنهم أبوا إلا تماديا على باطلهم، ونفورا عن الحق، {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} حذر سماع ما يقول لهم نبيهم نوح عليه السلام، {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} أي تغطوا بها غطاء يغشاهم بعدا عن الحق وبغضا له، {وَأَصَرُّوا} على كفرهم وشرهم {وَاسْتَكْبَرُوا} على -[889]- الحق {اسْتِكْبَارًا} فشرهم ازداد، وخيرهم بعد.
{ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا} أي: بمسمع منهم كلهم.
{ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} كل هذا حرص ونصح، وإتيانهم بكل باب يظن أن يحصل منه المقصود (?) ،
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا الله منها.
{إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب، واندفاع العقاب.