فالأعمال جعلها الله سببا لدخول الجنة ومادة لنعيمها وأصلا لسعادتها.
-[884]-
{25 - 37} {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} .
هؤلاء أهل الشقاء يعطون كتب أعمالهم السيئة (?) بشمالهم تمييزا لهم وخزيا وعارا وفضيحة، فيقول أحدهم من الهم والغم والخزي (?) {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} لأنه يبشر بدخول النار والخسارة الأبدية.
{وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} أي: ليتني كنت نسيا منسيا ولم أبعث وأحاسب ولهذا قال:
{يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} أي:: يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها.
ثم التفت إلى ماله وسلطانه، فإذا هو وبال عليه لم يقدم منه لآخرته، ولم ينفعه في الافتداء من عذاب الله (?) فيقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} أي: ما نفعني لا في الدنيا، لم أقدم منه شيئا، ولا في الآخرة، قد ذهب وقت نفعه.
{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} أي: ذهب واضمحل فلم تنفع الجنود الكثيرة، ولا العدد الخطيرة، (?) ولا الجاه العريض، بل ذهب ذلك كله أدراج الرياح، وفاتت بسببه المتاجر والأرباح، وحضر بدله الهموم والغموم والأتراح، فحينئذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} أي: اجعلوا في عنقه غلا يخنقه.
{ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أي: قلبوه على جمرها ولهبها.
{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا} من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة {فَاسْلُكُوهُ} أي: انظموه فيها بأن تدخل في دبره وتخرج من فمه، ويعلق فيها، فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع، فبئس العذاب والعقاب، وواحسرة من له التوبيخ والعتاب.
فإن السبب الذي أوصله إلى هذا المحل: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} بأن كان كافرا بربه معاندا لرسله رادا ما جاءوا به من الحق.
{وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي: ليس في قلبه رحمة يرحم بها الفقراء والمساكين فلا يطعمهم [من ماله] ولا يحض غيره على إطعامهم، لعدم الوازع في قلبه، وذلك لأن مدار السعادة ومادتها أمران: الإخلاص لله، الذي أصله الإيمان بالله، والإحسان إلى الخلق بوجوه الإحسان، الذي من أعظمها، دفع ضرورة المحتاجين بإطعامهم ما يتقوتون به، وهؤلاء لا إخلاص ولا إحسان، فلذلك استحقوا ما استحقوا.