أي: أي الرجلين أهدى؟ من كان تائها في الضلال، غارقًا في الكفر قد انتكس قلبه، فصار الحق عنده باطلا والباطل حقًا؟ ومن كان عالمًا بالحق، مؤثرًا له، عاملا به، يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأعماله وجميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال هذين الرجلين، يعلم الفرق بينهما، والمهتدي من الضال منهما، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال.
-[878]-
{23 - 26} {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} .
يقول تعالى - مبينًا أنه المعبود وحده، وداعيًا عباده إلى شكره، وإفراده بالعبادة-: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ} أي: أوجدكم من العدم، من غير معاون له ولا مظاهر، ولما أنشأكم، كمل لكم الوجود بالسمع والأبصار والأفئدة، التي هي أنفع أعضاء البدن (?) وأكمل القوى الجسمانية، ولكنه (?) مع هذا الإنعام {قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} الله، قليل منكم الشاكر، وقليل منكم الشكر.
{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ} أي: بثكم في أقطارها، وأسكنكم في أرجائها، وأمركم، ونهاكم، وأسدى عليكم من النعم، ما به تنتفعون، ثم بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة.
ولكن هذا الوعد بالجزاء، ينكره هؤلاء المعاندون {وَيَقُولُونَ} تكذيبًا:
{مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} جعلوا علامة صدقهم أن يخبروا (?) بوقت مجيئه، وهذا ظلم وعناد فإنما العلم عند الله لا عند أحد من الخلق، ولا ملازمة بين صدق هذا الخبر وبين الإخبار بوقته، فإن الصدق يعرف بأدلته، وقد أقام الله من الأدلة والبراهين على صحته ما لا يبقى معه أدنى شك لمن ألقى السمع وهو شهيد.