الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن الله بحكمته ورحمته أنزل كتابه تبيانا لكل شيء، وجعله هدى وبرهانا لهذه الأمة، ويسره للذكر والتلاوة والهداية بجميع أنواعها {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أنزله بلسان عربي مبين، وتكفل بحفظه وإبلاغه لجميع البشر، وقيض له من العلماء من يفسرونه، ويبلغونه للناس ألفاظه ومعانيه، لتتم بذلك الهداية وتقوم به الحجة. وقد أكثر العلماء من التأليف في تفسير القرآن العظيم كل بما أوتي من علم، فمنهم من يفسر القرآن بالقرآن، ومنهم من يفسره بالأخبار والآثار، ومنهم من يفسره من حيث اللغة العربية بأنواعها، ومنهم من يعتني بآيات الأحكام إلى غير ذلك.
وقد كان لشيخنا العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - من ذلك حظ وافر وذلك بتفسيره المسمى: (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) حيث جاء هذا التفسير سهل العبارة، واضح الإشارة، وصاغه على نمط بديع بعبارات قريبة لا خفاء فيها ولا غموض، فهو يعتني بإيضاح المعنى المقصود من الآية بكلام مختصر مفيد، مستوعب لجميع ما تضمنته الآية من معنى أو حكم سواء من منطوقها أو مفهومها، دون إطالة أو استطراد أو ذكر قصص أو إسرائيليات، أو حكاية أقوال تخرج عن المقصود، أو ذكر أنواع الإعراب إلا في النادر الذي يتوقف عليه المعنى، بل يركز على المعنى المقصود من الآية بعبارة واضحة يفهمها كل من يقرؤها مهما كان مستواه العلمي فهو في الحقيقة سهل ممتنع يفهم معناه من مجرد تلاوة لفظه، وقد اهتم بترسيخ العقيدة السلفية، والتوجه إلى الله، واستنباط الأحكام الشرعية، والقواعد الأصولية، والفوائد الفقهية إلى غير ذلك من الفوائد الأخرى التي لا توجد في غير تفسيره مع اهتمامه بتفسير آيات الصفات بمقتضى عقيدة السلف خلافا لما يؤولها بعض المفسرين.
وقد من الله علي فسمعت منه بعض تفسيره شفهيا في حلقات الدروس في مسجد الجامع بعنيزة، كما أنني ممن أشار عليه بطبعه فطبع الجزء الخامس فقط في حياته عام 1375 هـ في المطبعة السلفية بمصر، وبعد ذلك تشاورنا في طبع بقيته، وساهمت في ذلك أيام كنت قاضيا في عنيزة فطبع باقيه بعد وفاته في عامي 76 و 77، وبعد تمام طبعه تداوله الناس بالقراءة والتدريس، ودرسناه لإخواننا وأبنائنا الطلاب وحصل بذلك خير كثير وقرأه أئمة المساجد على جماعاتهم لوضوح عباراته. وقد طبع بعد ذلك طبعات أخرى لا يخلو كل منها من ملاحظة أو مؤاخذة.
ولما صارت طبعاته بهذه المثابة مع حاجة الناس إليه سمت همة ابننا الشيخ الفاضل: عبد الرحمن بن معلا اللويحق الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى طبعه على هامش المصحف الموجه كل جزء (20) صفحة مراعيا في كل صفحة وضع ما يتعلق بتفسيرها. وقد عرض علي النماذج الأولى لهذه الطبعة فأعجبتني، وسررت بها جدا مؤملا أن تكون هذه الطبعة خير معين على فهم كتاب الله تعالى، والاعتناء به تلاوة وحفظا وفهما، لأنه بهذا الصنيع يقرب الاستفادة لتالي القرآن لسهولة